دور بغداد في ثورة العشرين ....حركات الثورة والتمرد ضد العثمانيين في بغداد حتى الاحتلال البريطاني/ 1
التاريخ: Thursday, December 07
اسم الصفحة: وثائق


هذا الموضوع جزء من رسالة  للزميل
(قاسم عبد الهادي)  لنيل شهادة الماجستر في تاريخ العراق الحديث والمعاصر .
تحت عنوان دور بغداد في ثورة العشرين  التي نال عنها درجة ((جيد جدا))
من هنا يسر صحيفة (الجريدة) بنشر هذه الرسالة وبالتتابع للاهمية التاريخية والطروحات الجديدة فيها



المقدمة تعد ثورة العشرين من ابرز الاحداث في تاريخ العراق المعاصر ويمكن القول أّّنّ أحداثها تشكل مرحلة قائمة بذاتها الى حد كبير، كما تمثل انطلاقة لمرحلة جديدة لاسيما ما حققته من نتائج كان لها أثر كبير في تاريخ العراق السياسي. لقد كشفت الثورة حقيقة من اصطف الى جانبها ومن ساند واستكان للاستعمار وكانت الثورة هي اول مواجهة حقيقية بين الاحتلال البريطاني والحركة الوطنية في العراق. اختلف المؤرخون في وصفها، فمن عدها عشائرية ومن عدها (حالة تمرد) كما ورد ذلك في معظم الكتابات البريطانية واشابها بعضهم بالعفوية وعدم التنظيم وعدها آخرون بأنها قامت بتخطيط ورشاوى الأتراك الى بعض شيوخ العشائر ومعظم قادتها من الضباط العراقيين في جيش الامير فيصل في سوريا ويساعدهم بعض الكتاب والمثقفين في بغداد وقلة من علماء الدين في النجف الاشرف والكاظمية وكربلاء، بينما يصفها بعض الساسة البريطانيين انها رغبة رجال الدين في تأسيس دولة اسلامية لذلك كان اعلان الجهاد لم يتردد من قبلهم وكذلك في نظر المفكرين في بغداد أنشاء دولة عربية مستقلة برئاسه الامير عبد الله. أما بالنسبة للعراقيين فقد كانت ثورة العشرين حربا تحريرية وطنية من اجل الاستقلال على الرغم من فشلها وقمعها عسكريا ، مما اضطرت بريطانيا الى أن تخضع لمطاليب العراقيين في تأسيس حكومة عربية. ونحاول في هذه الدراسة تأكيد أبراز دور بغداد في ثورة العشرين والذي حاول بعضهم إلغاءه وحاول بعضهم إعطاءها دوراً اكبر بحيث عدها أم الثورات. وجاءت هذه الدراسة لغرض معرفة الدور الذي قامت به بغداد في الثورة. لقد حظيت ثورة العشرين باهتمام كبير من لدن الباحثين في العراق وخارجه وتصدت دراسات علمية كثيرة لجوانب متعددة من الموضوع الا ان جوانب اخرى للثورة ماتزال بحاجة الى المزيد من التقصي والبحث وبحكم ذلك فان دراسة دور بغداد في ثورة العشرين ذو أهمية ولاسيما أن بغداد قبل اندلاع الثورة تمثل مركز النشاط السياسي والفكري للعراق وتمتلك القدرة في التعبئة، وكان لرجال الدين دور في قيامها حيث كان لرسالة الميرزا محمد تقي الشيرازي الى أهالي بغداد والى جعفر أبي التمن والشيخ احمد الداود ورسالتة الى المحافظات لغرض الاقتداء ببغداد. ولقد وجدنا من الضروري التنويه الى ان بحثنا العلمي عن هذا الدور اقتصر على بغداد كمركز وليس كـ(ولاية) بحسب التقسيمات الإدارية العثمانية التي تتبع لها مراكز ادارية عديدة. تألفت هذه الدراسة من مقدمة وأربعة فصول فضلا عن الخاتمة وقد استعرضنا في الفصل الأول موقف الأهالي من الاحتلال البريطاني والاوضاع السياسية والاجتماعية لبغداد حيث استعرضنا موقف اهالي بغداد من احتلال البصرة وكذلك موقف الاهالي ومشاركتهم في معركة الشعيبة واحتلال بغداد في 11 اذار 1917 وموقف الاهالي من هذا الاحتلال، بعد ذلك الأوضاع السياسية والاجتماعية لبغداد من عام 1917 وحتى عام 1920، والتنظيمات الادارية والأحوال الاقتصادية وكذلك قيام المجلس البلدي والاستفتاء عام 1919 وتأسيس الاحزاب والجمعيات في بغداد. أما الفصل الثاني الذي استعرضنا فيه التطورات السياسية قبيل قيام الثورة حيث بدأت الحركة الوطنية في بغداد بالتحرك نحو العمل السياسي عندما اعلن الانتداب البريطاني على العراق، استغلت الحركة الوطنية حلول شهر رمضان لخلق الوعي السياسي والتعبئة الجماهيرية لذا خصصنا دور المناسبات الدينية في تهيئة الرأي العام والأحداث التي حصلت في هذه المدة من اعتقال عيسى عبد القادر واستشهاد الاخرس مما دعا قادة الحركة الوطنية في بغداد الى تأسيس وفدا يضم مندوبي بغداد لمطالبة بحقوقهم السياسية واستعرضا دور الصحافة قبيل قيام الثورة العراقية. أما الفصل الثالث فهو يتحدث عن دور القوى السياسية في قيام الثورة حيث يتناول هذا الفصل دور رجال الدين في بغداد وتأثير هؤلاء في انتقال هذه الثورة الى مناطق مجاورة لبغداد ولاسيما ديالى وسامراء، وكذلك دور المثقفين في هذه الثورة ودور الضباط وموقف الصحافة البغدادية من هذه الثورة ولاسيما موقف صحيفة الاستقلال البغدادية. أما الفصل الرابع الأخير فيتناول الأحداث والعمليات العسكرية والتعبئة لهذه الثورة ودور الثقافة والفنون المسرحية في التعبئة للثورة وطرح مطاليب الشعب بالاستقلال. أما الخاتمة هي الاستنتاج الذي وصل اليه الباحث في دور بغداد في ثورة العشرين وما هو هذا الدور في هذه الثورة 0 اعتمدنا في كتابة هذا البحث على الكثير من المصادر والمراجع لتسليط الضوء في توضيح دور بغداد بالنحو الأتي: اولآ الوثائق: لقد كتب عن هذه الثورة الكثير ولكنها بحاجة الى البحث وان اغلب من كتب لاسباب مختلفة، ولكن كان تركيزنا في البحث على الوثائق بالرغم من صعوبة الحصول عليها في هذه المرحلة . وحاولنا قدر الامكان ان نبني دراستنا هذه على الوثائق التي يمكن تصنيفها كما يأتي: 1. الوثائق المنشورة: وهي وثائق وزارة الخارجية البريطانية ووزارة المستعمرات والتي نشرت هذه الوثائق في كتب بعض الذين بحثوا في هذه الثورة ولاسيما عندما بحثوا هذه الثورة في لندن او خارج العراق. 2. الوثائق غير المنشورة: وهي وثائق لم تنشر حتى ألان وقد استطعت بعد جهود كبيرة ان احصل عليها من جهات عدة ، واستطيع القول بان هذه الوثائق مهمة وتشكل الشيء المهم في هذه الرسالة من حيث وقائع الاحداث. ثانيا- الصحف: تميزت المدة موضوع البحث في اصدار عدد من الصحف التي كانت تتوزع الى ما اطلق عليه (صحف الثورة) وهي الصحف التي أصدرها الثوار في النجف الاشراف وكذلك صحيفة واحدة صدرت في بغداد وساندت الثورة، اما الصحف التي اصدرتها بعض الشخصيات التي كانت تدعم وتساند القوات البريطانية المحتلة وكانت تنشر البلاغات والبيانات الصادرة من قوات الاحتلال البريطانية. اتسمت تلك الصحف معارضة للثورة وأخرى مساند لها وقد رأينا وجوب البحث عن الحقيقة والتاكد من صحة المعلومة ومقارنتها مع مصادر أخرى لان مدة الثورة كانت مضطربة باحداثها ومواقفها المختلفة والمتباينة ثالثا: الكتب العربية والأجنبية: كما تم التركيز على الكتب التي تناولت تاريخ هذه الثورة من خلال الشخصيات التي عاصرتها أو شاركت في الثورة من خلال تقسيمها الى: 1.الكتب العربية: وتشمل مذكرات الساسة العراقيين الذين شاركوا في الاحداث السياسية في العراق وكتبوا عنها وهي تمثل وجهة نظر شخصية، وبالرغم من أهمية الأحداث التي أشارت إليها هذه المذكرات الا اننا حاولنا التدقيق فيما اوردته من معلومات توخينا لتحقيق الدقة العلمية كما تم التركيز على الكتب التي تناولت تاريخ هذه الثورة من الشخصيات التي عاصرتها او شاركت فيها مثل كتاب تاريخ القضية العراقيةلـ( الدكتور محمد مهدي البصير) وعبد الرزاق الحسني في كتابه الثورة العراقية الكبرى وأمين سعيد في كتابه الثورة العربية الكبرى المجلد الثاني وكتاب الوقائع الحقيقية في الثورة العراقية لـ(علي البازركان ) وكتاب الثورة العراقية لـ(الدكتور عبد الله فياض ) وغيرها من الكتب المهمة. ومع ذلك فقد دققنا ما ورد من الكتب حيث غلب على بعضها الطابع الانفعالي والتحيز الى جهة ولهذا اعتمادنا عليها كان يتسم بالحذر. 2.الكتب الأجنبية: اعتمدت في بحثي على بعض الكتب الاجنبية منها مترجم ولاسيما مذكرات المس بيل كلها وكتاب ثورة 1920 الى القائد العسكري البريطاني سر المرهون هالدين وكذلك كتاب (بلاد مابين النهرين) الحاكم الملكي ارنولد ويلسن وكانت المعلومات الواردة في هذه الكتب تحتاج الى الكثير من التحقق من صحتها. رابعاً- الرسائل الجامعية: اعتمدت في هذه الدراسة على الرسائل الجامعية فقد كتب بعضهم عن الثورة بنحو مباشر مثل دور المثقفين في ثورة العشرين لأنور الحبوبي ورسالة الدكتوراه لـ(عبد الرزاق النصيري) دور المفكرين والمجددين في الحركة الفكرية والسياسية ورسالة سؤدد كاظم مهدي حيث كتبت عن الحاكم الملكي ارنولد ويلسن ورسالة صالح محمد حاتم حول صحيفة الاستقلال ورسالة حسان ريكان حول صحيفة العراق فضلا عن رسائل أخرى أرفدت دراستي بالكثير من المعلومات فضلا عن رغبتي العلمية في محاولة الاشارة الى بعض القضايا المهمة التي ربما لم تتناولها هذه الرسائل. فضلا عن ذلك فقد اعتمدت على رسالة نجيب الراوي الذي بعثها الى مصطفى الواعظ حول مسرحية وفود النعمان والأوراق المخطوطة من مذكرات عيسى عبد القادر والذي تحدث عن اعتقاله و لم يشر أليها الباحثون، اضافة الى وثائق ومخطوطات قد نشرت. كما قمنا بأجراء العديد من المقابلات مع بعض الشخصيات التي كان لعائلتها دور في الثورة وتمتلك بعض الوثائق والمخطوطات عنها وحصلنا على بعضها وحققنا من بعضها الأخر. لقد تصدينا لموضوع مازال حتى الان بحاجة الى بحث ولاندعي أننا قد كشفنا كل الحقائق ولاكل الوقائع او الدوافع التي أحاطت بالثورة غير أننا بدأنا المسيرة نحو هذا الهدف وأطول مسيرة في العالم تبدأ بخطوة. ومن اجل الحصول على المصادر والمراجع لغرض تعزيز الموضوع لقد بذلنا جهدا كبيرا من اجل الحصول على وثائق وزارة الخارجية وتقارير الشرطة السرية في بغداد وتقارير الوصايا البريطانية وغيرها من الوثائق المهمة التي تعزز قوة البحث ولاسيما أن اغلب المكتبات قد اغلقت لاسباب معروفة منها تعرض هذه المكتبات الى عملية الحرق وتلف الوثائق التي كانت من شأنها تعزيز بحثنا ولاسيما الوثائق الموجودة في دار الكتب والوثائق او مركز المخطوطات الوطنية اضافة الى الكتب المهمة التي قد تساعد بحثنا ،يضاف الى ذلك الظرف الامني الصعب والذي كان يقف في وجهنا من اجل الحصول على هذه المصادر والوثائق ما اضطرنا الى البحث بشتى الطرائق من اجل الحصول على بعض المصادر سوى المكتبات الخاصة ولاسيما مكتبة فندق سمكن لصاحبها فريد سمكن والذي كان له الفضل في تعزيز بحثنا ومكتبة الأستاذ رفعت عبد الرزاق والذي أسعفنا بالكثير من المصادر والوثائق، ولكن هذا لم يحقق الهدف المطلوب مما اضطررنا الى أن نبحث خارج القطر من اجل الحصول على المصادر والوثائق المهمة لقد ذهبنا الى ايران وسوريا والاردن ومصر من اجل الحصول على هذه المصادر والحمد الله وفقنا ببعض الشيء ولكننا لم نجد ضالتنا في رفد وتعزيز البحث. لاندعي أننا بلغنا الكمال في هذه الدراسة فان التكامل طموح يصعب الوصول أليه غير أننا تصدينا لموضوع مازال حتى الان ميدانا واسعا لكل من يريد البحث والتمحيص , ولا ندعي اننا قد كشفنا كل الحقائق ولاكل الوقائع او الدوافع التي احاطت بهذا الموضوع. الفصل الأول كانت هناك الكثير من الدوافع السياسية والاجتماعية التي جعلت أبناء العراق في كل مناطقهم يشاركون في التصدي للاحتلال العثماني، وذلك من خلال القيام بالكثير من حركات التمرد عبر صور كثيرة من المقاومة والتصدي أو الثورة عليها والتي أدت بالنتيجة الى أضعاف الوجود العثماني في بغداد وبقية الولايات العراقية بحسب التقسيمات الإدارية العثمانية. لقد واجه الاحتلال العثماني طيلة مدة حكمه في العراق الكثير من الاضطرابات والتمرد وحتى في بعض الأحيان الثورة وكانت من أهم الأسباب في ذلك هو سوء الادارة العثمانية، والشراسة والقوة التي يقوم بها الجهاز التنفيذي العثماني، فضلا عن ذلك تنامي الشعور الوطني عند العراقيين، كان للمثقفين والجمعيات التي ظهرت دور كبير في أذكاء تلك الروح الوطنية، كما أن ظروف الحرب التي أدت الى تردي الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للعراقيين بسبب قيام العثمانيين بجباية المزيد من الضرائب من المواطنين ما سببت المجاعة والعوز في مناطق كثيرة من العراق وبغداد بنحو خاص. أن الحركات الجماهيرية التي قامت في بغداد وأسهمت لتمهيد المقاومة للوجود العثماني حتى الاستقلال السياسي والاجتماعي أدت بالتالي إلى قيام ثورة العشرين ضد الوجود البريطاني. أن ثورة العشرين لم تكن حدثاً طارئا أفرزتها مبررات الظروف التي عاشها العراقيون في ظل مرحلة الاحتلال العثماني. فقد شهدت مدة حكم المماليك في بغداد (1750- 1831م) حوادث تمرد وعصيان قائمة في كثير من الأحيان على تمرد الولاة (( ضد السلطة العليا( )وقيام بعض الحركات سواءً كانت عربية أو كردية ضد الاضطهاد العثماني في سبيل الظفر بحقوقهم لقد تمتع العراق في حكم الوالي داود باشا الذي دام خمسة عشر عاما بالاستقلال عن الباب العالي وكذلك وضع حد لامتيازات شركة الهند- الشرقية، بإصداره أمرا عام 1821م ساوى بموجبه بين الشركة والتجار المحليين و امتنع من ارسال الخراج المخصص على ولاية بغداد ، ورفض مساعدة السلطان (محمود الثاني)،الذي كان بأمس الحاجة إليها حين كان في حرب مع الروس وكان السلطان محمود يظن أن الوالي داود باشا سيكون عونا له ولكن الذي حدث هو عكس ذلك قرر السلطان محمود القضاء على الكيانات السياسية التي ظهرت في الاجزاء التابعة للدولة العثمانية التي تتمتع بالاستقلال الذاتي وإلحاق تلك الكيانات وعودتها الى الارتباط بالباب العالي، لذا أرسل السلطان محمود جيشا بقيادة علي رضا باشا اللاظ (1831- 1841) لغرض الاطاحة بالوالي داود باشا ،أخذت الشائعات تنتشر في بغداد، وارتفعت الأسعار لان الجميع صاروا يخزنون تحسبا من الاضطرابات التي قد تحدث عند قدوم جيش علي رضا كان الوالي داود باشا يستهين بأي جيش يمكن أن ترسله الدولة العثمانية لاستعادة بغداد منه وكان يقول (أننا نستطيع أن نحاربهم بنساء بغداد) وعندما علم الوالي داود باشا بقدوم الجيش أرسل اليه معتمد سليمان اغا وبقيادته تسعمائة فارس من الذين يعتمد عليهم من المعروفين بالشجاعة والمدربين على الطراز الأوربي لمواجهة جيش علي رضا باشا على حدود ديار بكر ليقاتلوه هناك ويمنعوه من الدخول حدود بغداد وكانت ولاية بغداد تحد ولاية ديار بكر، ألا أن ظهور مرض الطاعون في بغداد والذي كان شديد الوطأة وفتك بالأهالي وكذلك الغرق الذي أصاب بغداد وهدم قسما من السور وأصبح الناس أما يموت بالطاعون أو الغرق فانقطعت المواصلات وأصبح الناس في قحط وتفشى المرض في جيش داود باشا الذي خرج لمقاتله علي رضا وجنوده ومنعه الدخول الى بغداد فاهلكوا ألا قليلاً منهم. أما الوالي داود باشا فقد أصيب بذلك المرض وهو في بيته، وجاء علي رضا بلا حرب وقد تمكن علي رضا من فتح بغداد ليلة الخميس الثامن من ربيع الآخر سنة 1227هـ الموافق للسادس عشر من أيلول 1831م على راس جيش تمكن من أعادة بغداد للسيطرة العثمانية المباشرة من دون مقاومة بسبب تفشي الطاعون الذي فتك في جيش الوالي داود باشا وغرق بغداد ، وقد أنهى حكم المماليك بعزل الوالي داود باشا وتسلم زمام الحكم من قبل الوالي الجديد علي رضا باشا أولا: حركة المفتي عبد الغني آل جميل عام 1832م. لقد اتسمت مرحلة ما بعد داود باشا بعدم الاستقرار وظهور حركات كثيرة لمواجهة المرحلة الجديدة من السيطرة العثمانية. لذا تُعد حركة المفتي عبد الغني آل جميل أول مواجهة مع العثمانيين في العهد العثماني الأخير (1831-1914)حين أعلن سخطه وغضبه على الوالي علي رضا باشا ، وهي من أهم الأحداث التي حدثت في عهد هذا الوالي، وجرت في السنة الثانية من ولايته، وكان عبد الغني آل جميل يتولى منصب الافتاء حينها، ومن الأسباب الأساسية لهذه الحركة هي مطالبة المفتي لرجال الحكومة بالكف عن الأعمال الوحشية والاساءة للناس ولكن الحكومة لم تستجب لندائه ، وان السبب المباشر في إعلانه الحركة هو أن أحدى نساء المماليك وهي أرملة رضوان آغا وكانت سيدة من اسر نقيب مندلي قد التجأت إلى المفتي عبد الغني آل جميل تحتمي عنده من مطاردة رجال الوالي علي رضا، وأودعت لديه طفلها البالغ من العمر ست سنوات غير أن هؤلاء لم يحترموا حماية المفتي لها ، كانت هذه الحادثة من جملة أسباب عميقة وراء هذه الحركة منها أحساس الناس بالتعسف والجور الذي كان يمارسه رجال الوالي علي رضا ، و بدأت هذه الحركة في 27 من ذي الحجة سنة 1247هـ الموافق 29 من حزيران 1832م في حي الشيخ عبد القادر الكيلاني والذي كان هذا الحي من أكثر الأحياء تحسساً، انضم الناس إلى جانب المفتي الذي ترأس بشخصه مئات الرجال المدججين بالسلاح وكان نزول المفتي الى الشارع يعد أولى خطوات المقاومة المنظمة لأهل بغداد ضد العثمانيين، ، وكان المفتي يتولى الإفتاء للمذهب الحنفي عندما قاد هذه الحركة وقد التحق به المماليك و رجال من عشيرة عقيل(العكيل) في الجانب الغربي إلى جانب المفتي ، وكان أهالي بغداد يريدون أن ينفضوا أيديهم من الولاة العثمانيين وان يكون لهم رأي في الوالي الذي يتولى أمرهم، بل يكون منهم لم يكن أهل بغداد وحدهم في هذه الحركة بل انضم أليهم بعض العشائر من خارج بغداد لدعم الثوار ، وحاول المفتي الهجوم على دار الحكومة مع الجماهير متجها نحو باب الحرم . وقام روبرت تيلر (Rubert Taylor) الوكيل السياسي البريطاني في بغداد باقناع العشائر التي كانت تستعد لمهاجمة بغداد بان تعدل عن الهجوم ووعدها بان يرفع شكواهم ضد الوالي علي رضا الى الباب العالي عن طريق السفير البريطاني في الاستانة كما وعد الثوار بأنه سيعمل على عزل الوالي علي باشا اللاظ من منصبه ليتولى مكانه بكربك كركوكلي حاكم البصرة السابق ومرشح الثوار لتولي منصب الولاية وفعلا اقتنعت هذه العشائر بأقوال الوكيل السياسي وانسحبت العشائر بانتظار مايتم من الأمر، فأصبح الوالي قادرا على توجيه ضربة لثوار بغداد وضرب منزل عبد الغني آل جميل واستطاع المفتي أن يهرب الى جانب الكرخ حيث التجأ هو وابن عمه عبد الرزاق الى عشيرة عقيل (عكيل). لم يقبض الوالي علي رضا باشا اللاظ على القائمين بهذه الحركة ولم يتم تعذيبهم مثلما فعل عند دخوله الى بغداد واستسلام داود باشا (1831م) ويرجح السبب في ذلك الى تقهقر القوات العثمانية أمام زحف جيش محمد علي ، لذلك ارتكن الى السكون، واستخدم الحكمة في التعامل مع الحركة على الرغم من أن هذه الحركة فشلت بسرعة الا أنها ساعدت على نمو المعارضة السياسية والأدبية ضد العثمانيين ، وكان المفتي عبد الغني آل جميل من اشد المتحمسين في توجيه هذه الحركة السياسية والأدبية ضد العثمانيين.







هذا الخبر من موقع جريدة الجريدة
https://aljaredah.com