وثائق: دور العشائر في الصراعات السياسية في العهد الملكي

 
 


الحلقة الاولى
الدكتور محمد حسين الزبيدي
العشائر العراقية هي تجمعات بشرية على شكل قبائل تعيش في مناطق كثيرة من العراق لها شيخ يقودها في السلم والحرب وهي تزاول مهنة الزراعة والرعي منذ زمن بعيد ولاتعرف غيرهما مهنة او حرفة.
وعندما تشكل الحكم الوطني في العراق سنة 1921 ظهرت طبقة سياسية معظمها من مخلفات العهد العثماني وجدت نفسها في ساحة خالية من المنافسة فحاولت ان تستأثر في الحكم وفي خيرات البلاد في شعب فيه الجهل والامية ضاربة اطنابها.
وقد ادى خلو الساحة من المنافسين الى ان تتصارع هذه الطبقة فيما بينها وقد اشتد هذا الصراع على السلطة في الفترة بين 1934- 1935 وذلك بعدان غاب عن الساحة السياسية العراقية قائد فذ وكبير هو الملك فيصل الاول الذي فرض نفسه على الساسة العراقيين وسيطر على النشاط السياسي واثر في مسيرة العمل السياسي وتم كبح جماح السياسين والمغامرين.
توفي الملك فيصل في ايلول 1933 وتولى ابنه الامير غازي الملك الذي لم تكن له شخصية والده العظيم ولانفوذه على السياسيين وبذلك غابت رقابة رئيس الدولة على النشاط السياسي.  



ولم تعد هناك من سلطة تنظم وتنسق تلك النشاطات نحو اهداف ومواقف تقرها سلطة عليا في الدولة ونتيجة لذلك خرجت الطموحات المكبوتة لدى بعض السياسيين ولا سيما لدى بعض اصحاب المواهب واصحاب الطموح اكثر من غيرهم وظهرت نزعات الحكم والتسلط التي كبتها اصحابها في عهد الملك فيصل الاول والمطامع التي ما كانت تظهر ابداً في ذلك العهد الا طبقا للمنهج الذي رسمه الملك فيصل وخططه. لذلك طغى على الحياة الصراع على السلطة فادى ذلك الى اضطراب شؤون الدولة. وجد هؤلاء الساسة في القبائل العربية ولاسيما قبائل الجنوب خير وسيلة يستغلونها للوصول الى اهدافهم وتحقيق اغراضهم السياسية او الحزبية الضيقة او الشخصية فزجوا بها في اتون هذا الصراع الذي اهلك الحرث والنسل في سبيل الضغط على الحكومات المتعاقبة والتمرد عليها. وقد ادى ذلك الى ان رفعت العشائر السلاح بوجه الحكومة بسبب تحريض السياسيين واغرائهم بالمال والجاه لاسقاط تلك الوزارة او اجبارها على التخلي عن الحكم او تقديم تنازلات لهم . وقد ظهر هذا الصراع بشكل سافر وجلي في وزارة علي جودت الايوبي حيث وقفت المعارضة التي يقودها ياسين الهاشمي ورشيد عالي الكيلاني واخرين موقفاً محرضاً وداعياً للثورة عليها لانها لم تحقق الاهداف الوطنية المرجوة لما يدعون ، فعقد اقطاب هذا الصراع في 7/ 11/ 1934 مؤتمراً لهم في دار رشيد عالي الكيلاني في منطقة الصليخ اطلق عليه (مؤتمر الصليخ)وبهذا المؤتمر بدأت صفحة الصراع المسلح التي اقرها المؤتمر واعتبرها الوسيلة الحقيقية لبلوغ الهدف،وهكذا بدأت الفعاليات الاساسية بالاتفاق والتعاون مع بعض السياسيين ورؤساء العشائر ضد وزارة علي جودت الايوبي . وقد سبق الثورة على الحكومة ان قدم اعضاء (مؤتمر الصليخ)الى الملك غازي بعد اجتماعهم هذا مذكرة تضمنت مطاليب عدة ومما جاء فيها: (لقد اهملت الوزارة المذكورة واجباتها وغضت النظر عن الواجبات الاصلاحية واطلقت الموظفين والاداريين في الالوية والاقضية والنواحي في الاعمال الكيفية وصمت آذنها عن سماع الشكوى ضدهم حتى اضطرب حبل الادارة وكادت الفوضى تعم البلاد واستاءت منها الامة على اختلاف طبقاتها ونحن من جملة المستائين وقالت المذكرة ايضا: رأينأ من الواجب الذي تطوقت به اعناقنا ان نطالب الوزارة الايوبية بالامور الاصلاحية المنتظر تحقيقها ثم طلبوا في ختام المذكرة حل المجلس النيابي الذي جاء بغير الطرق القانونية واقالة الوزارة الحاضرة التي قامت بتلك التصرفات والتي لا تحترم ارادة الشعب والقانون كما خرج المؤتمرون المجتمعون في(مؤتمر الصليخ") بقرارات عدة هي : 1-الاخلاص الى جلالة الملك اخلاصاً مطلقاً. 2-التشبث بكل الوسائل الممكنة لمحاربة النعرات الطائفية والمذهبية. 3-طلب المحافظة على القانون الاساسي العراقي وتنفيذ ما يسنه البرلمان من القوانين بحذافيرها. 4-حل المنازعات التي تقع عند القبائل وفق عاداتهم دون الالتجاء الى الحكومة حتى ترجع السلطة فيها. 5-لايجوز لمن يدعى منا الى الاشتراك بالحكم مالم يستشر اصحابه ويحصل على قرارهم في هذا الشان ومن مقرراتهم المهمة هي:- 1-اسقاط الوزارة الايوبية واذا لم تسقط قمنا عليها بالقوة والسلاح 2-حل المجلس النيابي واجراء انتخابات جديدة والحقيقة التي لاجدال فيها فقد ركز المؤتمرون في الصليخ مطالبهم بشكل رئيسي على: 1-فساد الادارة ومحاباتها الى جهة دون اخرى. 2-عدم تمثيل او انتخاب بعض شيوخ العشائر المتنفذين في مجلس النواب الذي اجرى علي جودت انتخابه. 3-المنازعات العشائرية على الاراضي. 4-التحريض من ساسة بغداد. 5-شكوى الشيعة من عدم نوالهم حصتهم العادلة في الحكم . في شهر كانون الاول سنة 1934 جرت انتخابات عامة وقد ارتكبت الحكومة غلطة كبيرة هي حذف اسم الشيخ عبد الواحد الحاج سكر شيخ عشيرة الفتلة من قائمة المرشحين ووضع مكان اسمه اسما من افندية بغداد ، والشيخ عبد الواحد يشغل مركزا مهما ويحتل مكانه مرموقة بين شيوخ العشائر وربما كان اكثر رجال القبائل نفوذا واوسعها سطوة في لواء الديوانية. وقد ذهبت الحكومة الى ابعد من ذلك فقد اعطت المقاعد النيابية الخمسة عشر المخصصة للوائي الديوانية والمنتفك -بدون حق الى رجالات المدن في بغداد وفي مناطق اخرى ممن اعتبرت الحكومة وجودهم في المجلس النيابي امراً ضرورياً لتأييد سياستها وفوق هذا كله كان هؤلاء النواب من(السنة )الذي جعل هذا الوضع يؤثر في المشاعر الطائفية. وهكذا اتخذت المعارضة التي يقودها رئيس حزب الاخاء الوطني ياسين الهاشمي من هذه الحالة ذريعة مهمة لاثارة خواطر الناس في الصحف والاجتماعات العامة وغيرها: وقد نجح هذا الحزب في تحريك الدعاية ضد الحكومة سنة 1935 بين عشائر الفرات الاوسط وتعميق مشاعر السخط والغضب فيها فقام تمرد في لواء الديوانية قام به الشيخ عبد الواحد الحاج سكر حيث قام بقطع الطريق العام بين الفيصلية وابو صخير واحتل برجاله المسلحين الجسور في منطقة الفيصلية ومن ضمنها الجسر الكبير في المشخاب واحتلت دائرة الري في الدغارة من قبل اتباع الشيخ شعلان العطية. ونتيجة للمعارضة العشائرية المسلحة رأى جميل المدفعي وزير الدفاع في وزارة علي جودت الايوبي ان يجرد حملة عسكرية تأديبية على القبائل المتمردة في الفرات الاوسط لاخضاعها لسلطة الحكومة ولكن رئيس الوزارة علي جودت الايوبي لم يوافقه على ذلك.ونتيجة للوضع الملتهب قدم علي جودت الايوبي استقالة وزارته في 23/ 2/ 1935 انقاذاً للموقف فقبلها الملك غازي على الفور. استدعى الملك غازي زعيم المعارضة ياسين الهاشمي وكلفه بتاليف الوزارة واشترط عليه الملك ان تكون الوزارة ائتلافية او وطنية (قومية)وان لا يشترك فيها احد ممن شاركوا في التأمر على اثارة العشائر في لواء الديوانية وان لا يطلب حل مجلس النواب ، وجد ياسين ان شروط الملك تخلق له ظروفا صعبة لا يمكن التغلب عليها لذلك اعتذر عن تشكيل الوزارة . عندها استدعى الملك غازي جميل المدفعي وطلب منه تأليف الوزارة فألفها في 4/ 3/ 1935. الا ان استقالة وزارة جودت الايوبي ومجيئ وزارة جميل المدفعي لم يكن انقاذاً للموقف كما كان يتوقع الملك غازي كما ان المعارضة استمرت في معارضتها لهذه الوزارة ايضا بل تطورت المعارضة السياسية الى ثورة عارمة عمت جميع الفرات الاوسط حيث اعتبرت المعارضة المدفعي والايوبي كتلة سياسية واحدة وهما صديقان ومتعاونان في عملهما السياسي منذ زمن بعيد ومتقاربان في ارائهما وافكارهما وفي موقفهما السياسي من الكتل السياسية والسياسيين الاخرين كان الهدف الاول والاخير لجماعة (مؤتمر الصليخ)هو الوصول الى الحكم بعد اسقاط وزارة جودت الايوبي وهي الخطوة الاولى للوصول الى الهدف ثم بعدها الخطوة الثانية هي استلام السلطة وليس ايداعها الى جميل المدفعي. كان يقود المعارضة في بغداد حزب الاخاء الوطني برئاسة ياسين الهاشمي ومن اقطابه رشيد عالي الكيلاني يؤازره من شيوخ العشائر الشيخ عبد الواحد الحاج سكر والشيخ سماوي الجلوب والعين محسن ابو طبيخ والعين علوان الياسري وقد ظهر العصيان المسلح في بدايته في منطقتي ابي صخير والشامية وقاد عبد الواحد الحاج سكر العصيان في لواء الديوانية ومعه بعض شيوخ العشائر في الفرات الاوسط. وقد احتلت قوات عبد الواحد الحاج سكر، الجسور في منطقة الفيصلية وقطعت الطريق العام بين الديوانية والنجف وان رجاله المسلحون دخلوا الفيصلية والدغارة وقد احتل شعلان العطية رئيس عشيرة الاكرع ناظم صدر الدغارة وان جموعاً من آل فتله خربت القناطر والجسور القائمة على الانهر المتشعبة بين الفيصلية وابي صخير وبين ابي صخير والشامية تقطع الطريق على قوات الحكومة واقامت قوة مسلحة على هذه الجسور. طلب رئيس الوزراء جميل المدفعي من رئيس اركان الجيش طه الهاشمي ان يجهز جيشاً قوياً لضرب التمرد في الفرات الاوسط بالسرعة الممكنة، الا ان طه الهاشمي شقيق زعيم المعارضة ياسين الهاشمي اعتذر عن ذلك لعدم قدرة الجيش على القيام بهذا العمل وقدم تقريره بذلك وهذا تقرير رئيس اركان الجيش طه الهاشمي الى رئيس الوزراء جميل المدفعي المثبط للعزيمة جاء فيه: 1-تختلف هذه الحركة عن الحركات السابقة ضد الشيخ محمود والشيخ احمد البارزاني والاثوريين من حيث تاثيرها على الراي العام باجمعه يومئذ، اما في هذه الحالة فالقتال سيشن ضد قبائل كثيرة النفوس تقطن مناطق وعرة من حيث الحركات الارضية اذ ان الساحة ذات اهوار ومستنقعات وجداول بالاضافة الى ان الحركة واسعة النطاق لها اتصال بقبائل عفك وقبائل الرميثة وان بعض من علماء الجعفرية بالنجف يشجعها وان ثلاثة اعضاء في مجلس الاعيان من مديري هذه الحركة وهم السيد محسن ابو طبيخ والسيد علوان الياسري والشيخ سماوي الجلوب 2-ان الامر الاهم ان اكثر جنود الوحدات من اهل القبائل في العمارة والمنتفك والحلة وان البعض من الضباط من ابناء المشايخ وقد تسري روح البغضاء الى بعض الجنود والضباط المذكورين الامر الذي يؤثر على نجاح الحركات 3-ومن ناحية اخرى ارى ان موقف الدولة الخارجي حرج بسبب الاختلاف بين العراق وايران بسبب الاختلاف على الحدود فالقتال ضد هذه القبائل قد يؤثر على هذا الموقف وبعد ان وجد رئيس الوزراء نفسه غير قادر على مواجهة قوة المعارضة ونفوذها قدم استقالته الى الملك بعد خمسة عشرة يوماً على تأليفها.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار وثائق
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في وثائق:
شيمون بيريز مسح له الحذاء وجولدامائير كرمته جمعة الشوان (حكاية مصري قهرالموساد)