علمية: العلاقة بين العين والدماغ

 
 


اعتماد الإنسان على حاسة الإبصار لا يضاهيه اعتماد، والخلايا العصبية الموقوفة على وظائف العين لا تدانيها في كثرتها خلايا أي من الحواس الأخرى في الجسم، وحساسية العين يمكن توضيحها بهذا الشكل البسيط: خذ النجم في السماء مثلاً لا تستطيع لمس النجم بيديك أو تذوقه بلسانك أو تشم رائحته بأنفك أو تسمعه بأذنك، ولكن تستطيع أن ترى النجم بعينيك رغم بعده عنك ملايين السنين الضوئية .إن كيفية رؤية الأحياء للدنيا من حولنا تعتمد على نوع الرائي . فعين القطة مثلاً ترى الدنيا سوداء وبيضاء ورمادية . وفي عيني النحلة تتصاعد الحساسيات اللونية حتى تبلغ حدوداً تقل عن رؤيتها عين الإنسان .



 إن من ينظر إليك من نافذة طائرة مثلاً يخيل إليه أنك ساكن لا تتحرك أي أن مسألة الرؤية هي إلى حد كبير مسألة نظر .وجهة النظر هذه لا تعتمد على العين أكثر من اعتماد جزئي، ولو أخذنا العيون في حد ذاتها لرأينا العين البشرية ليست معقدة بالشكل الذي نتخيله إذا ما قيست بسواها .فهي لا يمكن أن تضاهي قوة عين النحلة على تمييز أطياف الألوان أو أن تكون في حدة عين النسر . ومع ذلك فالإنسان يمتاز عنها جميعاً بميزة كبرى هي أن له دماغ أكبر من أدمغتها جميعاً . فدماغ الإنسان يستطيع أن يلون أي شيء فوق الظلال الموجود في طيف المنطق والعاطفة ومن خلال الدماغ يرى الإنسان ما حوله من مرئيات .وعينا الإنسان هي فرع من فروع دماغه وأقوى وسائل تماسه المباشر مع العالم الخارجي . ومهمة العينين هي ترجمة كل ما تقعان عليه إلى لغة كهربية يستطيع الدماغ فهمها . وبياض العين هي صلبتها الكروية القوية المقاومة للضوء والصدمات، والضوء لا يدخلها إلا عبر البؤبؤ  أي أنه لا إبصار من دون ضوء، وحجم الضوء الداخل إلى الحدقة تقرره القزحية أو الجزء الملون من العين . والقرنية (وهي الغطاء الشفاف الممتد فوق القزحية تفصلها الغرفة الأمامية والعدسة، وموقعها خلف القزحية) وكذلك السوائل داخل العين هي جميعها تعمل معاً لتصويب حزمة الضوء إلى الداخل وتطبع على الشبكية صورة مقلوبة للمرئيات، والشبكية هي البطانة الخلفية لداخل العين الكثيرة الأعصاب المتحسسة للضوء . ولكن كيف تنقلب هذه الصورة الدقيقة المقلوبة في داخل العين إلى صورة متحركة زاهية بحجم الحياة داخل الدماغ؟ إن الشبكية مزودة بنوعين من المجسات الضوئية هي العصيات والمخروطيات، فالعصيات تبصر الأشياء باللونين الأبيض والأسود ولا تحتاج إلى ضوء كثير كي تنشط للعمل، وهي مصدر إبصارنا الليلي . أما المخروطيات فهي التي تلتقط اللون والتفصيل . ولكن أفضل وسائل عملها هو النور القوي ولهذا كان معظم الألوان غائماً في النور الضعيف أو أثناء الليل .وكل مخروط من هذه المخاريط يستطيع التقاط واحد من ثلاثة ألوان: الأحمر أو الأخضر أو الأزرق، لكن بلغة الضوء حيث يكون امتزاج الأحمر بالأخضر مساوياً للأصفر . فإن هذه الألوان الثلاثة حتى تشكل كل الألوان والظلال التي يراها الإنسان وتعدادها حوالي سبعة ملايين . وعندما تكون العين مفتقرة إلى نوع من المخروطيات . أصيب الإنسان بعمى الألوان وهي حالة موروثة تصيب الرجال أكثر مما تصيب النساء . إن كل واحدة من بلايين المخروطيات والعصيات في العين تحتوي على ألوان تتفكك عند اصطدامها بالضوء محدثة دائرة كهربية وناقلة رسالة عن اللون والبريق إلى مركز البصر على القشرة الدماغية . وهذه المواد لا تنفذ لأنه يتم تعويضها باستمرار بمساعدة فيتامين "أ" والعلاقة بين العين والدماغ وثيقة، إن المسافة بين العينين عند الإنسان والحيوانات ذات الأعين الموجودة في مقدمة الرأس كالقطط والبوم وهذه المسافة لها أهمية كبيرة فهي سبب رؤيتنا للعالم الخارجي من حولنا بأبعاد ثلاثة: إذا كان هذا التباعد اليسير في زاوية الرؤية . وفي مركز الإبصار على قشرة الدماغ  .تتم مقارنة الصورتين، والاختلاف البسيط في زاوية الرؤية يترجمه الدماغ إلى عمق ولكي يقدر الدماغ المسافة النسبية للمرئيات، فإنه يقوم بقراءة مقدار التوتر في عضلات كل من العينين .ولكن الإنسان لا يستطيع أن يرى المرئيات بأبعاد ثلاثة إلا إلى مسافة ستين متراً تقريباً . فإذا كانت المرئيات وراء هذا الحد . تشابهت زاوية الرؤية لكلا العينين، وصار الإنسان وكأنه يبصر الأشياء بعين واحدة ذلك لأن المسافة بين العينين لا تتيح له إدراكاً أكثر من هذا العمق البعيد عن طريق التجربة .فالدماغ هو الذي يتولى عندئذ مهمة البحث عن الآثار التي تهديه إلى العمق الصحيح . وللدماغ وظيفة أخرى غير تقدير عمق المرئيات، فلديه القدرة على سد الثغرات في المعلومات البصرية التي تصل إليه .وأقوى دليل على مقدرة الدماغ هذه هو استطاعته تجاوز النقطة العمياء الموجودة في كل عين من دون أن تؤثر هذه النقطة على قوة الإبصار .فعلى شبكية كل عين توجد مساحة صغيرة خالية من أي عصيات أو مخاريط أي أنها خالية من القدرة على الرؤية، وإذا كانت العينان مفتوحتين فإن الإنسان لا يلاحظ ذلك . أما إذا كان الإنسان ينظر بعين واحدة فإن الفرق يظهر ولا شك .جرب ذلك بنفسك:
خذ قطعة من الورق وارسم عليها نقطة سوداء صغيرة وعلى بعد سبعة سنتمترات إلى يمين النقطة السوداء ارسلم هذه الإشار (X)، والآن اغمض عينك اليمنى وامسك الورقة على مستوى العينين وابعدها عنك مسافة ذراع، ثبت عينك اليسرى المفتوحة على إشارة (X) وحدها، حرك الورقة ببطء نحو رأسك . فعلى مسافة 25 سنتمتراً تلاحظ أن النقطة السوداء المرسومة لم يعد لها وجود .ولكن الإنسان لا يرى سواداً  إنما بياضاً  أو خطوطاً أو أشكالاً مرسومة على الورق . إن الدماغ هو الذي يسد الثغرة، والآن تذكر أن دماغك يظل دائباً على سد ثغرات النقطتين العمياوين على الشبكية بلا انقطاع لمدة أربع وعشرين ساعة في اليوم، وهو نادراً ما يخذلك بل يظل مستمراً في تقديراته للعمق والمقياس والحركة بدقة متناهية وبصورة يعتمد عليها . ولكن ما يحدث أحياناً أن تسبق العين الدماغ أو العكس بالعكس . وعندئذ يحدث ما يسمى خداع البصر . فاللوحات المرسومة بهذه الطريقة تحرض الشبكية تحريضاً يوصلها إلى نقطة اللاعودة وعندئذ نشاهد على اللوحة حركات لا وجود لها في الواقع .من المهم معرفة كيف تعمل منظومة السلامة في العين وما الذي ينبغي كي يضمن استمرارها في أداء أعمالها، تبدو العينان ولأول وهلة عضوين مكشوفين للإصابات عاجزين عن الدفاع، ومن المدهش كيف تستطيع العين وهي المفتوحة على البيئة من حولها أن تدافع عن نفسها ضد العدوى . والحقيقة أن للعين ثلاث آليات واقية: إن جهاز الغسل والطرح الفذ في العين يبدأ بالدمع، فالدموع تشكل باستمرار طبقات سائلة فوق القرنية تلك النافذة الصافية التي لا تخطي مقدمة العين، وتشكل الدموع خط الدفاع الأول ضد العدوى، وتتألف الدموع من مواد زيتية ومخاطية ومائية وخميرة خاصة ذات خاصية مضادة للجراثيم التي تدخل العين . وخط الدفاع الثاني هو الجفنان اللذان ينطبقان غريزياً لدى أول علامة من علامات هجوم تشنه الانقاض الدقيقة المحمولة جواً أو المواد الأخرى المنطلقة نحو الإنسان، وعن طريق حركة الرموش يقوم الجفنان على الدوام بغسل قرنية العين بالدموع وإزالة الجسيمات الصغيرة التي تغزوهما، وهكذا تمهد الطريق أمام الوسيلة الدفاعية الثالثة التي هي طرح النفايات من العين، فعندما تطرف العينان تدفعان بالشوائب نحو الزاوية الداخلية للعين التي هي قصبة الأنف .التهاب العين أحياناً يعني تداعي جزء من أجزاء هذه المنظومة الدفاعية . وعلى سبيل المثال فإن الإنسان عندما تتقدم به السن لا تعود عيناه تنتجان الدموع بصورة كافية . ولكن حتى الإنسان في شبابه وعنفوان صحته يمكن أن يحمل جهاز حصانة عينيه فوق طاقته.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار علمية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في علمية:
ألم الذراع اليسرى ليس مؤشراً لنوبة قلبية دائماً