تحقيقات: الشابندر .. علامة (المتنبي) وآخر محطات عالم الكتب

 
 


كوكب  السياب
 لقي مقهى الشابندر وقت اكتمال بنائه نجاحاً كبيراً وإقبالاً واسعاً بسبب موقعه في منطقة مزدحمة بالسكان، وكان يتردد إليه أهالي المناطق القريبة منه مثل باب المعظم والباب الشرقي والحيدر خانة وغيرها.
مقهى الشابندر الذي يقع في شارع المتنبي أصبح من المعالم الثقافية المهمة في العراق، إذ يرتاده المثقفون من كل مكان في العراق، يتداولون فيه الحديث عن الثقافة والفن والشعر والسياسية أيضاً.



من يجلس في المقهى لا يشعر أنه يأتي لقضاء الوقت، أو للتسلية وشرب الشاي، بل على عكس هذا فأغلب رواده يأتون ليتزدوا من الثقافة والأدب من خلال ما تجري من محاورات وأحاديث في هذا المجال، فضلا عن كونه ملتقى للأدباء الوافدين من المحافظات لغرض زيارة شارع المتنبي، لذا فهو حلقة أدبية وخيمة بغدادية لكل مثقفي العراق.
الجريدة  زارت المقهى والتقت بصاحبه (الحاج محمد كاظم الخشالي ) الذي أكد لنا إن المقهى تأسست عل يد "محمود الشابندر" في عام 1917. وأضاف "قمت بإدارة هذه المقهى العريق منذ عام 1963 إدارة مطلقة، بعدما كنت شريكاً فيه.
تعرض مقهى الشابندر لعدّة هجمات مقصودة لكونه صرح ثقافي، هذا ما أكده لنا صاحب المقهى قائلاً : "إن أغلب الأماكن المنتجة والمثمرة تتعرض للعداء من قبل أعداء الثقافة الذين يفضلون أن يبقى البلد تحت أغطية الجهل والبؤس، وما تعرض له المقهى من هجمات خير دليل على ما أقوله، فقد حُرق المقهى لأكثر من مرة ولسنوات متفرقة في ثمانينيات القرن الماضي، لكن الهجمة الأكبر هي ما تعرض له المقهى في سنة 2007 بعد الانفجار الذي أودى باستشهاد أولادي الخمسة، فضلا عن الخسائر المادية التي تعرض لها المقهى، ولكن بجهود شخصية استطعت أن اعيد الوضع الى ما كان عليه.كذلك لا أنكر جهود أمين بغداد السابق صابر العيساوي في إعادة بناء المقهى".
وقال (الخشالي) : " ما تعرضتُ إليه بعد التفجير هو صدمة كبيرة وفاجعة لا يمكن وصفها، ليس سهلاً أن تفقد خمسة أبناء في بضع ثواني، لكن حبي للعراق وللثقافة ولهذا المكان الذي قضيت فيه أجمل سنين عمري، جعلني انهض من جديد واستجمع كل قواي وأزيل حواجز الإحباط بعد التفجير لكي أعيد كيان هذا المقهى مرة أخرى لأنها بوابة شارع المتنبي الثقافية".
وتختلف "الشابندر" عن باقي المقاهي بكونها ملتقى النخب من الأدباء والشعراء والفنانين والرياضيين والسياسيين، فهي تجمع الفئة المثقفة والمؤثرة في أجواء الواقع. أما الشباب فهناك تواجد ضئيل جداً ربما للسبب الذي ذكرناه، وكذلك لسبب عدم وجود ألعاب "الدومينو" و"الطاولي" وغيرها، توجهت بالسؤال الى صاحب المقهى عن سبب تقلص الوجود الشبابي داخل المقهى بأجابني : "قبل العام 1963، أي قبل مباشرتي بالعمل هنا، كان المقهى عبارة عن مكان للتسلية وقضاء الوقت. وكانت تقام مباريات في الطاولي والدومينو وحتى "القمار"، لكن بعد استلامي للمقهى أخذتُ على عاتقي بأن يكون المقهى مركزاً ثقافياً أدبياً فمنعت كل هذه الأشياء احتراماً وتقديساً للمكانة الثقافية التي يتمتع بها شارع المتنبي ولكي تكون المقهى بوابة اللقاء بين المثقفين الوافدين إلى الشارع من كل مكان.
تاريخ العراق مصوراً
من ينظر إلى جدران المقهى ويشاهد التحف المصورة، يستذكر تأريخ العراق في بدايات القرن الماضي وما تبعها من أحداث وتطورات سياسية وفكرية، وأحداث ثقافية وفنية ربما تقتصر على مرحلة معينة من تأريخ العراق.
سألت الحاج (الخشالي) عن اقتصار هذه الصور على مرحلة الحكم الملكي في العراق فأجابني بعد استرخاء وارتياح : "هناك بعض الصور القليلة لفترة ما بعد الملكية "الجمهورية"، لكن معظم الصور تعود إلى العهد الملكي إيماناً مني بجمالية الحياة الملكية ولأن العصر الملكي بتصوري هو أساس العراق وتاريخه، الحياة كانت أكثر مدنية وبساطة قياساً بما آل الوضع عليه فيما بعد. كنت محظوظا لأني احتفظتُ بأرشيفاً لهذه الصور فبعد تعرض المقهى للتفجير تلفت كل الصور فقمت بجلب أرشيفي ووضعه في المقهى.
المقهى وخطر الزوال
يبدو إن مقهى الشابندر بات مهدداً بالخطر من قبل أصحاب الثراء والأموال الطائلة ممكن يحاولون شراء البناية بالكامل وتحويلها إلى محال تجارية يكسبون منها أموالاً طائلة. فقد اشتكى صاحب المقهى هذا الأمر قائلاً: " يواجه المقهى خطراً كبيراً بسبب بعض ضعفاء النفوس من الأثرياء الذين تمكنوا من المالك الذي يسكن خارج البلد منذ أربعين عاما،ً وادّعو أنهم اشتروا البناية وبهذا الحال لهم حق التصرف بها.
وأنا بدوري أدافع وأكافح من أجل بقاء المقهى لأنه يسري في دمي وهو بيتي الثاني ولا أعتقد أنني أرى نفسي من دون هذا المقهى، ولأنه جزء لا يتجزء من ثقافة وتاريخ العراق.
  رواد المقهى
كما وكانت لنا وقفة مع رواد المقهى، وقفتنا الأولى كانت مع الأستاذ الإعلامي كاظم المقدادي الذي تحدث عن أهمية المقهى بقوله : " في كل دول العالم هناك أماكن للمثقفين والأدباء، والشابندر تجمع النخبة وهي مكان جميل للحوار و كذلك لمعرفة آخر الإصدارات من الكتب الأدبية والعلمية والفلسفية.. وأعتقد أن الشابندر رمز من رموز العراق الثقافية كما مكتبة مكنزي في شارع الرشيد. وأضاف المقدادي : "هناك إيقاع ثقافي جميل يحتاجه المثقف ليرى المستويات العامة للثقافة العراقية والنتاجات الأدبية، إذا المقهى هي مكان لتبادل الأجواء التي تُعد زاد المثقف. ولنا ذكريات جميلة في هذا المكان، لأننا كنا نلتقي برموز العراق الثقافية كالشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي والمفكر الكبير محمد مبارك الذين كانا يترددان إلى المقهى بشكل مستمر.
الإعلامي أحمد المظفر قال "مقهى الشابندر يمثل ذاكرة الثقافة والأدب في العراق، لأنها رئة شارع المتنبي الذي يحفل بالمكتبات الممتدّة من أول الشارع وانتهاءً بهذا المقهى الذي يستمتع فيه روّاد الشارع بعد تجوالهم بين المكتبات، وفي هذا المقهى جلس الكثير من أعلام العراق وأدبائه ومثقفيه. وحتى هذه اللحظة ما زالت النقاشات تدور في أرجاء المقهى حول الشعر والأدب. يبقى مقهى الشابندر جزءاً مهما من تأريخ الذاكرة العراقية.
الصحفي الرياضي حسين الذكر وصف المقهى بأنها بوابة تواصل ثقافي واجتماعي وسياسي "نخبوي". ويكاد أن يكون اختزالاً لتاريخ بغداد وهو نقطة ضوء في أي فكرة سواء كانت ديكتاتورية أو ديمقراطية تستنير بها جميع الفئات العراقية متمثلة بنخبهم. منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي وأنا حريص بالمجيء إلى هذا المكان لما فيه من أجواء جميلة تجعلك تتواصل مع كل فئات الإبداع. فهنا يلتقي الشاعر والفنان والسياسي والرسام والرياضي. مقهى الشابندر وقفة تراثية عراقية ولوحة فنية مرسومة بريشة الإبداع.
الشاعر رحيم العراقي عدّ المقهى شاهداً على إصرار المثقفين على اللقاء رغم الظروف المريرة التي يواجهها البلد.وأكد أنه من رواد المقهى منذ أكثر من عشرين عاماً ولكن بشكل متقطع.وقال العراقي " المقهى محطة استراحة للمتبضعين على اختلافهم، الأدباء والهواة والقراء، وأيضا أولياء أمور التلاميذ الذين يأتون لشراء القرطاسية، وبعد هجرتي عام 2000 إلى الخليج واظبت على زيارتها خلال إجازاتي المتقطعة لأستعيد الذكريات و ألتقي بمن ظل على قيد الحياة أو من لم تمنعه ظروفه الصحية من الحضور من الأصدقاء والزملاء والمعارف.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار تحقيقات
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في تحقيقات:
طرق تربية الاسماك الحديثة