(صالح هويدي) يقرأ تضاريس البنية العميقة في قصائد الشاعر (سامي مهدي)
التاريخ: Thursday, March 14
اسم الصفحة: ثقافية


أزراج عمر
الجدير بالذكر هنا هو أن الناقد الملفت للنظر والمستوعب لأهم التطورات في مجالات نظرية الأدب واللسانيات صالح هويدي قد صدرت له من قبل 9 كتب منها "الترميز في الفن القصصي العراقي الحديث" و"التوظيف الفني للطبيعة في أدب نجيب محفوظ" و"لعبة النص: قراءات في الشعر والسرد" و"النقد الأدبي الحديث قضاياه ومناهجه".إن اهتمام الدكتور صالح هويدي بتجربة الشاعر سامي مهدي ينبع من أن هذا الشاعر يعد، إلى جانب زملائه الشعراء العراقيين المعاصرين أمثال حسب الشيخ جعفر وحميد سعيد وعبد الرزاق عبد الواحد الذين برزوا على الساحة العراقية والعربية بعد جيل الرواد العراقيين الذين يتصدرهم عبد الوهاب البياتي وبدر شاكر السياب وسعدي يوسف وبلند الحيدري ونازك الملائكة، من شعراء طليعة التحديث الشعري في العراق وفي العالم العربي.



ينطلق الدكتور صالح هويدي منذ البداية من الإعلان عن أدواته النقدية التي سيوظفها في سبر العوالم الداخلية لتجربة الشاعر سامي مهدي وبهذا الصدد يرى أنه سيحاول في مقاربته "الإفادة من معطيات الدراسة اللسانية" مركزاً في ذلك على " فكرة النص الغائب أو البنية العميقة كما سماها عالم اللسانيات "شتراوس". يعرف الدكتور هويدي النص الغائب كما يلي: " تنطلق فكرة النص الغائب من الاعتقاد بأن النص الأدبي، على الرغم من كونه بنية لغوية في المقام الأول، فإنه يتميز عن هذه البنية، بسبب تركيبته المجازية التي ينتقل معها الدال بالمدلول من مستوى المطابقة فيما بينهما إلى مستوى الإيحاء". وفي الواقع فإن الدكتور هويدي يرى أن "طابع الجمالية للغة الأدبية و تداخل معطيات الوعي واللاوعي فيها إنما يحول النص من مستوى التواصل المباشر في لغة النثر العادية إلى مستوى دلالي يصبح فيه المدلول الممثل لعالم الغياب أو للبنية العميقة " المسكوت عنه" احتمالا قابلا للحضور والاندماج بالمستوى الظاهري للنص". بسرعة أريد هنا التوضيح بأن البنية العميقة التي يريد أن يحلل تضاريسها في قصائد الشاعر سامي مهدي تتركب، مثلما يقول كل من سليم باب عمر و بني عميري في كتابهما اللسانيات العامة و حسب نعوم شومسكي، من " عنصرين أساسين هما : "المكون الفئوي والمكون المعجمي" علما أن "البنية العميقة" هي الجملة الواضحة المعنى الخاضعة لقواعد التركيب بمكونيها الفئوي والمعجمي. أما البنية السطحية فتنشأ عن طريق قواعد تحويل لتأدية المعاني المتفرعة عن البنية العميقة" كما يوضح مجدداً الدارسين المذكورين آنفا.من الملاحظ أن الدكتور هويدي قد اختار طريقة تحليلية تنطلق من دراسة كل قصيدة على حدة و يعني هذا أنه لا يدرس التجربة الشعرية في نهايتها الكلية وإنما يبدأ من الجزئيات لينتهي إلى التركيبة. في هذا السياق يعتبر قصيدة "المصعد" نصا شعريا مفتاحياً يمكن من خلال الكشف عن بنيته العميقة التعرف على ما يدعوه هذا الناقد الوعي الشقي عند الشاعر سامي مهدي. ففي رأيه أن هذه القصيدة "المصعد" تنتمي إلى نمط القصيدة التفعيلية، من حيث بنيتها الموسيقية، و يمكن لنا القول إنها تنتمي أيضا من حيث "النوع" إلى القصيد الشذرة. وفي الوقت نفسه فإن الدكتور هويدي لا يرى أن قصيدة "المصعد" تخبرنا بشكل مباشر عن "حدث أو واقعة ما" وإنما "تعبر عن حالة الشك أوعن الإحساس بعدم اليقين لدى راكب المصعد، فيما إذا كان في حالة الصعود أو النزول". من جهة يرى الدكتور صالح هويدي أن هذه القصيدة النموذجية تعتمد "الحوارية" وفي الوقت نفسه تتوسل "ما يعرف بأسلوب المنولوج أو النجوى الداخلية". يمكن لنا أن نفهم المزج بين الحوارية و بين المنولوج بأنه لا يعني في هذه القصيدة أصوات متعددة بل يعني أن نص القصيدة يعلن عن شخصية تحدث نفسها بعد انقسامها و في الآن ذاته تعتمد أسلوب التداعي والمنولوج.من بين عناصر القوة في تحليلات الدكتور هويدي، تتبعه لعمليات الصعود والهبوط ولحالات الانتظار القلق التي تنضح بها قصائد سامي مهدي إذ تبدو كلها ظاهريا بنيات سطحية ولكن البنية العميقة تتمثل في أن الصعود والنزول وأن سلالم القطار والمصاعد هي "وسائل تعبيرية عن رحلة الشخصية في الحياة، تلك الرحلة الصعبة المضنية التي تكشف عن جانب ما من جوانب مريرة معتمة من حياتها". يلاحظ الدكتور هويدي أن الشاعر سامي مهدي يتكئ كثيراً على فكرة الزمن التي تعد فكرة أساسية في البنية العميقة لشعرية سامي مهدي. إذا تأملنا هذه المقاطع : " يتكدس الزمن على زجاج النوافذ / مثلما يتكدس سخام المداخن / أقتطع إسفنجة من قلبي فأمسحه وأنظر إلى البعيد البعيد"، فإننا نرى البنية السطحية في هذه القصيدة متمثلة في مرور الزمن وتكدسه ولكننا نكتشف أن البنية العميقة تتمثل في القلب الذي أدركه وأتعبه وسوده الزمان مثلما يفعل سخام المداخن بزجاج النوافذ التي تصبح بعد أن يغمرها غير قادرة أن تكون شفافة ومنفذا للرؤية.من الملاحظات الجديرة بالتسجيل هنا هي أن الشاعر سامي مهدي متأثر إلى حد ما بتقنيات الشاعر البريطاني ت.س. إليوت وببعض عوالمه والمجال لا يسمح بدراسة هذه المسائل بالتفصيل. إن قراءة الدكتور هويدي لقصائد الشاعر العراقي متميزة ونأمل أن تترسخ في المشهد النقدي العربي وتتحول إلى طقس يمارسه النقاد العرب أثناء إقامتهم للعلاقة مع النصوص الشعرية، وهي العلاقة النادرة في هذه الأيام.







هذا الخبر من موقع جريدة الجريدة
https://aljaredah.com