عن الجنرال .. “المُبارك” من الله!
التاريخ: Monday, April 01
اسم الصفحة: مقالات وتقارير


محمد خروب
ليس وحده برويز مشرف، ديكتاتور باكستان الذي "أُجبر" على مغادرة السلطة بعد تسع سنوات قضاها مقيماً في قصر الرئاسة أوصله إليه انقلاب عسكري اطاح رئيس وزراء منتخب، هو الذي جاء به إلى قيادة الجيش، فانقلب عليه في العام 1999 ليتواصل امساكه بالسلطة حتى العام 2008، عندما استنفد دوره (ولو مؤقتاً) فأمره الرعاة وأبقوه على قائمة الانتظار وأن يكون جاهزاً عند الطلب..



نقول: ليس الجنرال الباكستاني (ويا لسوء حظ باكستان التي تواصل على حكمها الجنرالات فأفسدوا الدولة وأوصلوها إلى حال الاهتراء الكامل)، مشرف هو الذي يقول لأعدائه وخصومه ومنافسيه: "... إني مُبارك من الله"... إذ ثمّة حكام في العالم وخصوصاً في بلاد العرب، من يشاركه هذا الاعتقاد يقف في مقدمتهم أولئك الذين لم يأتوا إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع بل فوق ظهور الدبابات أو عبر الأحزاب العقائدية التي تمنح لنفسها صفة الملائكة، لكنها لا تتصرف إلاّ كالشياطين.
العرب أصيبوا أيضاً بلعنة الجنرالات أو مدّعي البطولة العسكرية، والمعارك الوهمية وبخاصة أولئك الذين كانت رتبهم العسكرية متواضعة لم تزد في أعلاها عن رتبة "العقيد"، وغيرهم لم يُمضِ في صفوف الجيش سوى سنوات معدودات فإذا به يظهر في الاحتفالات والمناسبات الكلامية والمفتعلة مثقلاً بالأوسمة ويحمل تحت ابطه عصا الماريشالية متلازمة مع عبوس و"كشرة" مبالغ فيها لزوم اظهار الجديّة والحزم، فإذا به يتحوّل إلى أضحوكة ويفتح الطريق على سخرية لا تنتهي من كل هؤلاء الذين يزعمون انهم "مباركون من الله" وأنهم هزموا الأعداء وانتصروا عليهم، على نحو يتساءل المواطنون العرب في مختلف بلادهم اذا كان هؤلاء قد سجلوا كل هذه الانتصارات, فلماذا يتواصل احتلال القدس وكل فلسطين؟ ولماذا دائماً يحتاج هؤلاء الى المساعدة الخارجية (اقرأ الاميركية) العسكرية على وجه الخصوص لحماية أنظمتهم.
ماذا عن الجنرال الباكستاني؟
برويز مشرف عاد إلى كراتشي (قبل يومين) بعد نفي اجباري (بوساطة عربية) استمر أربع سنوات كان الرجل خلالها يعاني عزلة غير مسبوقة وغياب تام عن الأضواء, ما اضطره الى كتابة "مذكراته" جاء فيها على تجربته في الحكم وحملت عنوان "على خط النار" لم تستطع صفحات الكتاب الذي نشر باللغة الإنجليزية، ان تُبعد عن الجنرال وصمة القدوم إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، بدعاوى مفتعلة ان نوّاز شريف (رئيس الوزراء المُنتخب) امر باقفال المطار أمام طائرة الجنرال مشرف التي اوشك وقودها على النفاد, ما اضطر الجيش لاحتلال المطار كي يهبط قائده ويذهب الأخير إلى القصر الرئاسي ليقيم فيه ثماني سنوات كانت عجافاً على باكستان وشعبها..
ما علينا..
مشرف المتهم بقضايا فساد وقتل (اغتيال بناظير بوتو) واثراء غير مشروع، يعود إلى باكستان كي يخوض الانتخابات على رأس حزب أسسه وهو في المنفى, فهل تؤشر عودته إلى "غرام" بأثر رجعي بالديمقراطية وأهمية صندوق الاقتراع للحصول على تفويض شعبي وليس من خلال الجيش والمؤسسات الأمنية المحلية أو الخارجية؟
الجنرال ليس مقطوع الصلة تماماً باللاعبين الإقليميين على الساحة الباكستانية التي تعيش حالاً غير مسبوقة من الفوضى والعسكرة والفساد وهشاشة الدولة والانهيار المالي, فضلاً عن الاحتراب الطائفي والمذهبي الذي بات ساحة لتصفية حسابات "إقليمية" عبر السيارات المفخخة والانتحاريين الذين "يفضلون" المساجد وصلوات الجمعة، لتصفية حساباتهم المذهبية (سنة وشيعة) ما يعني أن حروباً بالوكالة تدور في باكستان المنخرطة بل المنهكة من تداعيات واكلاف "الحروب" الافغانية ومشاركتها "الاجبارية" في الحرب على الإرهاب. حركة طالبان الباكستانية كما الافغانية، تتوعد مشرف وتقول انها "ستصَفّيه" فيما الجنرال لا يبدي قلقاً أو هو يُكابر عندما يخطب أمام مؤيديه ".. أين هم من قالوا انني لن أرجع أبدا؟ مستطرداً: طَلَبَ مني "شعبي" ان اعود لانقاذ باكستان حتى ولو على حساب حياتي.. أريد ان أقول للذين يطلقون التهديدات.. اني مبارك من الله"..
ليس في الأمر "قُطبٌ" مخفية، فالجنرال عائد للمنافسة على الحكم، وربما يسعفه الوقت و"الدعم الخارجي" للاحتكام إلى صناديق الاقتراع، لكن... هل ينجح خصومه في جلبه إلى قوس العدالة قبل ان يخوض انتخابات أيّار المقبل؟ وهل يَمْثُل مشرف أمام المحكمة التي طالما سعى إلى وضع كامل السلطة القضائية وخصوصاً المحكمة العليا ورئيس القاضي افتخار شودري تحت إبطه؟
الأسابيع الوشيكة ستروي عن المستقبل السياسي والشخصي للجنرال.. (المبُارك من الله).







هذا الخبر من موقع جريدة الجريدة
https://aljaredah.com