دراسات اقتصادية: كتاب ـ هل ينبغي الخوف من الصين؟ ـ (الحلقة الثالثة)

 
 


 تأليف :بوريس كامبريلان 

  تعتبر الصين قوة صاعدة تثير مخاوف الدول الصناعية الأخرى بالنظر إلى مغزى صعودها، لكن الصين ليست قوة جديدة، فهي إحدى أعرق أمم العالم وأكثرها تجديداً، حيث كان لها السبق في اختراع المطبعة والبارود اللذين كان لهما أبعد الأثر في توجيه دقة التاريخ بعد ذلك.
وتعود الصين، كما يشير المؤلف في هذه الحلقة، لتصبح من جديد بلداً تكنولوجيا بامتياز، ولكنها تعتمد كثيراً هذه المرة على عملية تحويل التكنولوجيا التي تتم من خلال شركائها الصناعيين على المستوى العالمي الذين يطمحون إلى إيجاد موطئ قدم لهم في السوق الصينية الهائلة.
لقد بدت ثمار تحويل التكنولوجيات واضحة في العديد من الميادين مثل صناعة السيارات حيث تستخدم مثلاً ورشات هذه الصناعة في منطقة "يوهات" بوسط الصين نفس الآلات والآليات التي تستخدمها شركة تصنيع سيارات بيجو ـ ستروين في المصانع الفرنسية. وغداً الصينيون هم الذين يقومون بأنفسهم ببناء المفاعلات النووية من الجيل الثاني مثلما تعرف مناطق "دايا باي" و"لينغاو" في جنوب البلاد.
وفي ميدان صناعات الطيران لايزال أفق تجميع طائرات البوينغ في الصين بعيداً، هذا على عكس طائرات "الايرباص" اذ اشارت وكالة الانباء الفرنسية الى ان شركة الصناعات الفضائية الأوروبية التي تنتج هذه الطائرات تفكر بأن تفتتح مستقبلاً "خطاً" لتصنيع طائرة الايرباص ـ 320 في الصين.. وليس فقط عملية التجميع فقط وانما التصنيع الكامل لهيكل هذه الطائرة والذي تقوم به حتى الآن بريطانيا.
كذلك اختارت الشركة الأوروبية من اجل صناعة طائرة الايرباص ـ 350 تكليف مجموعتين صينيتين بتصنيع 5% من تصميم الطائرة مع ارسال مئتين من مهندسيها للعمل في بكين من الآن وحتى عام 2008. ثم ان الصين وعلى قاعدة ادراكها العميق لاتساع سوقها في مجال الطيران المدني، وحيث تدل التقديرات على حاجة هذه السوق لحوالي 2000 طائرة في غضون العشرين سنة المقبلة.



وهي تسعى لذلك كي تحصل على المعارف والتقنيات الضرورية من اجل تطوير صناعاتها الفضائية. وهناك ميدان آخر يشهد اهتماماً كبيراً من قبل المجموعات والشركات الكبرى متعددة الجنسيات، وهو ميدان البحث العلمي وهكذا افتتحت شركة "نوكيا" لصناعة الهواتف النقالة مركزاً سادساً للبحث العلمي في الصين خلال صيف عام 2005في منطقة "شينغدو" بجنوب غرب البلاد. وذلك في أفق التحضير لإطلاق ما يسمى بـ "الجيل الثالث" من الهواتف وحيث كان يتوقع تسليم الدفعة الأولى في الربع الأول من عام 2006. وكان شهر سبتمبر من عام 2005 قد شهد ايضاً افتتاح مركز الأبحاث الأول التابع لشركة "لوريال" الفرنسية لصناعة مواد التجميل والتي كانت قد اشترت عدداً من الشركات الصينية الصغيرة العاملة في هذا الميدان كي تحد بذلك بأقصى ما يمكن من المنافسة لها في السوق .. وقد أقيم ذلك المركز في بلدة "بودونغ" بالقرب من شنغهاي وحددت أبحاثه مهامها في تحقيق فهم أفضل لآثار استخدام مواد التجميل على بشرة الصينيين وشعرهم. تلك هي بعض الأمثلة عن تحويل التكنولوجيات المتقدمة إلى الصين، وهي ليست سوى جزء يسير من قائمة يمكن أن تطول كثيراً. وإذا كانت الشركات متعددة الجنسيات قد أظهرت شهيتها الكبيرة من أجل تعزيز مواقعها في السوق الصيني، بل إنها تنافست من أجل ذلك وأبدت استعدادها لـ "السنحاء، في نقل معارضها إلى الصين؟ فإن عملية تحويل التكنولوجيا هذه قد أثارت بالمقابل العديد من ردود الفعل المتحفظة، وخاصة لدى الأميركيين، ويتمثل التحفظ الأول حيال قيام الصين بإعادة تصدير التكنولوجيات ذات الطبيعة المزدوجة، المدنية والعسكرية إلى بلدان تنوي استخدامها من اجل غايات عسكرية، وتدل المعلومات الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية أنه من بين الـ 115 شركة أجنبية المتهمة بتسهيل انتشار التكنولوجيات النووية، أو التكنولوجيات التي قد تخدم في تصنيع الأسلحة الكيماوية والجرثومية، خلال سنوات 2001 ـ 2005 ويناير 2001 حتى ابريل 2005، هناك 80 شركة صينية أغلبها من الشركات التابعة للدولة. التحفظ الثاني حيال تحويل ـ تصدير ـ التكنولوجيات المتقدمة يتعلق بمسألة عدم ضمان حماية الملكية الفكرية والتي تشكل احد مواضيع النقاش الدائرة داخل منظمة التجارة العالمية، ويؤكد أصحاب مثل هذا التحفظ بأن الصين تقوم بخرق صريح للحقوق الفكرية "للمؤلفين" فيما يخص الإنتاج الموسيقي والفني، وكذلك حقوق مالكي "الماركات" في ميدان صناعة الألبسة الجاهزة مثلاً . هكذا وفي جميع المجالات التي تقوم فيها الصين بـ "نسخ" هذا النموذج او ذاك، ابتداء من الصناعات الخفيفة وحتى صناعة الأجهزة الكهربائية والسيارات وربما الطائرات، إنما تحصل "دون ثمن" على معارف بذل الآخرون جهوداً استمرت سنوات أحياناً للوصول إليها. البرنامج الفضائي الصيني هناك قطاع يوليه مؤلف هذا الكتاب أهمية خاصة في مسيرة التصنيع الصينية ويخص "البرنامج الفضائي الصيني"، فتاريخ 15 أكتوبر 2003 انطلق رائد الفضاء الصيني الأول "يانغ ليوي" كي يمضي 20 ساعة في المدار حول الأرض. لتصبح الصين بذلك الدولة الثالثة التي تقوم بمثل هذا الانجاز العلمي، أي بعد 42 سنة من الروسي يوري غاغارين و 41 سنة من الأميركي جون غلين، وبعد عامين من الرحلة الفضائية الصينية الأولى قام رائدان آخران بتنفيذ عملية دوران حول الأرض استمرت خمسة أيام تقريباً. وكان قد جرى افتتاح أول مركز للأبحاث حول الصواريخ عام 1956 وكان تابعاً حصرياً للجيش، وتطور البرنامج الفضائي الصيني بعد ذلك دون توقف وصولاً إلى إطلاق أول صاروخ عام 1964 وفي عام 1970 أصبحت الصين هي خامس بلد في العالم يطلق قمراً صناعياً ثم أطلقت الصين عام 1999 أول قمر اتصالات لتعلن بذلك دخولها إلى نادي الدول صاحبة النشاط التجاري في هذا الميدان، وفي شهر نوفمبر من عام 2005 أطلقت الصين قمراً صناعياً لمراقبة الأرض هو "زي ـ 2" الذي كان رقمه هو 82 في الأقمار التي أطلقتها. وكان برنامج الصين الفضائي المأهول قد انطلق عام 1992. وإذا لم يكن هذا البرنامج قد حقق حتى الآن انجازات كبيرة فإن أهدافه قد أصبحت واضحة وهي القيام أولاً بخروج ملاحي السفن الفضائية إلى الفضاء الخارجي في أفق عام 2007 أو عام 2008 سيتم العمل على التحام سفينتين فضائيتين ثم إنشاء محطة فضائية مستدامة، وينوي الصينيون وضع أدوات على القمر تسمح بقياس كمية غاز الهليوم ـ 3 عليه وهذا غاز قد يسمح بفضل الانشطار الحراري ـ النووي، بإحداث ثورة على صعيد استهلاك الطاقة في الأرض حسب آراء القائمين على البرنامج الفضائي الصيني. ولا شك أن هذا البرنامج يمثل أحد مصادر "الاعتزاز الوطني" لكنه لا يزال مرتبطاً حتى الآن بالسلطات العسكرية حصراً. أصبحت الصين قوة اقتصادية هائلة وقوة عسكرية كبيرة، وتدفقت عليها الاستثمارات ورؤوس الأموال والتكنولوجيات المتقدمة الأجنبية، وهي بحاجة لهذا كله، لكنها بحاجة أيضاً إلى غير ذلك، وخاصة للمواد الأولية ولمصادر الطاقة التي لا تمتلكها بدرجة كافية والتي لابد منها من أجل متابعة إيقاع تنميتها. الحاجة المتزايدة للمواد الأولية دفعت الصين للبحث عنها، حيث توجد في الأسواق العالمية من أجل التزود بها في منظور المستقبل القريب والبعيد، وتدل الإحصائيات التي نشرتها وزارة الطاقة الأميركية أن الصين مسؤولة عن زيادة نسبة 40% خلال أعوام 2000 ـ 2004 في الطلب العالمي على البترول.. وكان من نتيجة ذلك توجيه أصابع الاتهام لها بأنها المسؤولة أيضاً عن الارتفاع الكبير في أسعار هذه المادة الاستراتيجية. وتدل الإحصائيات أيضاً على أن الطلب الصيني للطاقة في ازدياد هائل رغم أن استهلاك الصينيين للطاقة لا يزال أقل من استهلاك مواطني البلدان الغربية المتقدمة، إلا أن استهلاك هؤلاء يحافظ على مستوى من الاستقرار، إلى هذه الدرجة أو تلك وكانت الصين قد استوردت عام 2004 ما مقداره 117 مليون طن من البترول الخام أي بزيادة 8,34% بالقياس إلى العام السابق 2003، وهذا يعني أن الصين قد أصبحت في المرتبة العالمية الثانية بين مستوردي الطاقة ومستهلكيها، أي بعد الولايات المتحدة الأميركية مباشرة وقبل اليابان. وكان الإنتاج المحلي الصيني للبترول قد بلغ 175 مليون طن خلال عام 2004، لكنه لن يزداد سوى بكمية ضئيلة جداً خلال السنوات اللاحقة مما دفع الحكومة للاعتماد على احتياط المحطات البحرية العائمة من أجل تعويض إنتاج الحقول التي تنضب في شمال شرق البلاد، وينقل المؤلف عن أحد مسؤولي لجنة التنمية والإصلاح الصينية قوله في شهر سبتمبر 2005: "ان الصين قادرة على الاستمرار في إنتاج 180 طن من البترول سنويا خلال العشرين سنة القادمة". ان الطلب الصيني على النفط تجاوز العرض عام 1993، ولم يتوقف الفارق عن الاتساع منذ ذلك التاريخ بحيث يصل إلى 14 مليون برميل في أفق عام 2025 مقابل 5 ,6 ملايين برميل عام 2003حسب مصادر إدارة أعلام الطاقة في الحكومة الأميركية. لكن لوحظ ان هناك "تحسساً" صينيا حيال الارتفاع الكبير في اسعار النفط، إذ شهد عام 2005 انحساراً في الاستهلاك بنسبة 5,0% مقابل زيادة بنسبة 15% في العام السابق له. وماذا عن الغاز؟ تدل الإحصائيات والتقديرات انه سيكون على الصين استيراد نصف استهلاكها من الغاز في أفق عام 2020 أي ما يعادل 100 مليار متر مكعب سنوياً. هذا على الرغم من الشروع منذ فترة وجيزة باستثمار حقول الغاز في حوض وادي "تاريم" في منطقة "زينج يانغ" البعيدة، وذلك عبر بناء خط أنابيب يجتاز البلاد كلها من غربها إلى شرقها وطوله يقارب الخمسة آلاف كيلومتر. وبالإضافة إلى الحاجة الماسة للمحروقات المولدة للطاقة يمثل الازدياد الكبير في الطلب على الفحم وخامات الحديد، أي على المواد الأولية الضرورية لتطوير صناعات التعدين، السبب الرئيسي في الارتفاع المريع لأسعار هذه المواد في الأسواق العالمية.. وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج الحديد في الصين قد ازداد بنسبة 25% سنوياً خلال السنوات الأخيرة، مما يجعلها المنتج لربع الإنتاج العالمي وربما لثلث هذا الإنتاج في أفق عام 2010. أفق المستقبل يشكل ضمان التزود بالمواد الأولية، وخاصة الاستراتيجية منها، الشغل الشاغل للسلطات الصينية. ولذلك تبنت الصين استراتيجية بعيدة في هذا الميدان من أجل درء مخاطر التبدلات الكبيرة في أسعار المواد الأولية المعنية وتتمثل الخطوة الأساسية في هذه الاستراتيجية باللجوء إلى تنويع مصادر التزود بتلك المواد. هكذا لجأت الشركة الوطنية الصينية للنفط إلى الاستثمار في العديد من الحقول بشتى أنحاء العالم من فنزويلا إلى إيران ومروراً باذربيجان وكندا وكازاخستان والسودان واندونيسيا والعراق. وضمن نفس التوجه وقعت المجموعة البترولية الكبرى الأخرى في البلاد أي "صينوبك" اتفاقاً في نهاية عام 2004 من أجل تطوير حقل "يادافاران" بإيران. ومن المفترض أن يصل إنتاج هذا الحقل بحلول عام 2010 تقريبا ثلاثمئة ألف برميل في اليوم. أي ما يعادل مجموع الامتيازات الصينية في حوالي منتصف شهر مايو من عام 2005 بينما يعتبر الطلب الصيني أكبر بحوالي 12 ضعفاً. هذا يعني ان التبعية الصينية للأسواق العالمية عامة ولمنطقة الشرق الأوسط خاصة التي يأتي منها حوالي نصف الواردات الصينية النفطية ـ ستظل كبيرة ـ أي التبعية في منظور السنوات المقبلة. وتتمثل إحدى الآليات التي لجأت إليها الصين من أجل تأليف تزودها بمواد الطاقة في المساهمة بشركات أجنبية، وأهم هذه المساهمات يجسدها الحصول على 88% من مجموعة "أكتوبومينبغاز" الكازاخستانية من قبل الشركة الوطنية الصينية للبترول التي اشترت أيضاً في نهاية عام 2005 شركة بتروكازاخستان. وبالتوازي مع هذا وقعت الحكومتان الصينية والكازاخستانية عقداً لبناء خط أنابيب طوله 988 كيلومتراً كي يبدأ اعتباراً من عام 2006 بنقل النفط الخام الكازاخستاني إلى الصين. إن استراتيجية الطاقة التي تبنتها الصين تصطدم بأشكال من التردد من قبل الولايات المتحدة الأميركية. وهكذا لم يكن ممكناً المضي قدماً بمحاولة شراء حقول الغاز التي تمتلكها شركة "يونيكال" الأميركية في آسيا، وذلك من قبل الشركة الوطنية الصينية للبترول.. ذلك أن تلك الصفقة قد لاقت معارضة كبيرة في الكونغرس الأميركي من قبل البرلمانيين الذين أعربوا عن قلقهم حيال استقلال الولايات المتحدة في ميدان الطاقة، هذا مع العلم بأن الشركة الصينية كانت قد عرضت سعراً أكبر للمساهمين في يونيكال من السعر الذي اقترحته شركة "شيفرون" النفطية الأميركية التي فازت مع ذلك بشراء شركة "يونيكال". ألا يشكل الأميركيون المنافس الوحيد للصين في مشاريعها للحصول على مصادر الطاقة، وإنما هناك أيضاً المنافسة اليابانية لاسيما على النفط الروسي.. وتحاول الصين الوصول إلى عقد صفقة مع موسكو تستطيع بواسطتها بناء خط أنابيب يربط آبار النفط الروسية مع مدينة "داكينغ" الصينية.. لكن الحكومة اليابانية أعلنت عن استعدادها لتقديم المساعدات المالية لموسكو إذا بنت خط الأنابيب بالأحرى نحو مرفأ "ناخودكا" الواقع على بحر اليابان. وكانت السلطات الصينية قد فكرت بتأمين مخزونات احتياطية إلى استراتيجية على الطريقة الأميركية، لكن مثل هذه العملية تلكأت بفعل الأسعار المرتفعة للنفط الخام في الأسواق العالمية. وإذا كانت مسألة الأمن في مجال الطاقة تشغل السلطات الصينية إلى حد كبير لضمان إمكانية الاستمرار بالإيقاع الحالي للتنمية، فإن هذه السلطات تشعر ببعض الاطمئنان بسبب واقع الاكتفاء الذاتي الذي يوفره الاحتياطي الهائل الذي تمتلكه البلاد من مادة الفحم والتي تؤمن وحدها 57% من احتياجات الصين من الطاقة. وفي المحصلة. وكما أشارت دراسة قريبة العهد أعدها المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإنه من المفترض أن تتوصل الصين من الآن وحتى عام 2025 عبر تطوير برامج الطاقة النووية والطاقات المتجددة وخاصة المائية منها بفضل السدود إلى تلبية 70% من تزويد الطلب على الطاقة في البلاد. وفي معرض البحث "عن التزود بالطاقة تبحث الصين عن تعزيز وجودها في القارة الإفريقية عبر توقيع سلسلة من الاتفاقيات مع البلدان الغنية بالنفط من الجزائر إلى أنغولا ومروراً بنيجيريا والسودان، وقد بلغ عدد العقود التي أبرمتها الصين مع القارة الإفريقية حوالي أربعين عقداً منذ عام 2000 وحتى اليوم وأصبحت هي المستورد الثاني على الصعيد العالمي للنفط الإفريقي بعد الولايات المتحدة الأميركية وقبل اليابان. وتشير وكالة الصين الجديدة في هذا السياق إلى أن حجم التجارة بين الصين والقارة الإفريقية قد تضاعف ثلاث مرات ليصل إلى 37 مليار دولار في عام 2005. والصين هي أيضاً المستورد الأول للعاج وحيث تتم الإشارة إلى تقرير أصدرته جمعيتان بريطانيتان للدفاع عن الطبيعة ويقول انه لاتزال توجد في الصين ثلاثمئة ورشة سرية تعمل في تجارة الساج بعد إقرار المنع الدولي لقتل الفيلة بغية الحصول على عاجها. تدهور البيئة تبدو البيئة هي الخاسر الأكبر من جرّاء التنمية المشهورة والمتسارعة، وتدل التوقعات على أنه اذا كان من المفترض ان يمتلك مليار وأربعمئة وخمسين مليون صيني ثلاث سيارات لكل أربعة مواطنين كما هو الحال اليوم في الولايات المتحدة الأميركية> فإنه سيكون في الصين 1 ,1 مليار سيارة مقابل 800 مليون سيارة موجودة في عموم العالم اليوم. وهذا ما دفع عالم البيئة الأميركي "ليستر براون" إلى إجراء الحساب التالي: "ان مجرد قيادة هذا العدد من السيارات وتأمين مواقف لها سيتطلب مساحة تعادل المساحة المزروعة بالأرز اليوم. وفي إطار المقارنة بين الصين والولايات المتحدة يلاحظ ان الصين لا تمتلك سوى 7% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم مقابل 20% من عدد سكانه، وبالتالي لا تستطيع تبني نمط تنمية على الطريقة الأميركية. مع ذلك يبدو أن تطوير صناعة السيارات، مع مخاطرها الأكيدة على البيئة. لايزال في رأس قائمة اهتمامات الحكومة الصينية. واصبح مألوفاً اليوم مشهد ازدحام السيارات في شوارع بكين وشنغهاي أو كانتون. ويوجد في العاصمة بكين وحدها أكثر من 5 ,2 مليون سيارة أي سيارة لكل مواطن من ثمانية، وذلك مقابل أقل من مليون سيارة عام 2000. وكانت الوكالة الصينية الرسمية لحماية البيئة التابعة للدولة قد أصدرت خلال السنوات الأخيرة عدة تقارير تنذر بالخطر، ولكن لا يبدو أن هذه التقارير قد وجدت صدى كبيراً. كذلك تدل تقارير صادرة عن البنك الدولي ان ست عشرة مدينة من أصل المدن العشرين الأكثر تلوثاً في العالم موجودة في الصين. وتتم الإشارة في هذا الإطار إلى تأكيد خبراء يعملون في اطار الوكالة الصينية لحماية البيئة بأن أمطاراً حمضية تسقط على ثلث أراضي الصين وأن نصف مياه أكبر سبعة أنهار في البلاد غير نظيفة وغير صالحة للاستهلاك.. ثم أن نسبة 20% فقط من نفايات المدن تتم معالجتها. وكانت فضيحة تلوث نهر "سونغوا" في شمال شرق البلاد، بما يزيد على 100 طن من البنزين في شهر نوفمبر 2005 ادت إلى استقالة رئيس الوكالة الصينية الرسمية لحماية البيئة بسبب عجزها عن منع وقوع المأساة. لكن تنبغي الإشارة هنا إلى أن الصين لم تصل اليوم، بالنسبة للفرد، إلى مستوى البلدان الغربية المتقدمة في ميدان إطلاق غاز الفحم من المصانع ذي التأثير الخطر على الغلاف الجوي.. وبالتالي ليس مطلوباً من بكين أي التزام محدد "بالأرقام" في إطار المعايير التي تبنتها معاهدة "كيوتو" المكرسة لحماية البيئة. وإذا كان التدهور الذي يصيب البيئة وخاصة الآثار على المناخ هو أحد مخاطر التنمية الحديثة في الصين فإنه ليس الخطر الوحيد.. وقد دلّ تقرير نشرته المجموعة المعروفة باسم "غرين بيس" في شهر اكتوبر 2005 على ان كل جذع شجرة من جذعين يتم قطعهما في الغابات الاستوائية في العالم انما هو مكرّس للمصانع الصينية.. وهناك جزء كبير من هذه الأخشاب ينتهي الى قطع اثاث يتم بيعها في الاسواق المحلية او لإعادة تصديرها الى الخارج. وكان الانتاج الصيني من الخشب المعاكس قد ازداد من مليون طن عام 1998 الى 11 مليونا عام 2004. وتدل المعلومات على تزايد ايقاع قطع اشجار الغابات في الصين نفسها بما قد يكون احد الاسباب الاساسية في حدوث الانهيارات الارضية وتشكل كتلا وحلية كبيرة اثناء الفيضانات التي تؤدي سنوياً الى مقتل المئات بل الآلاف في مختلف انحاء البلاد.. وكانت السلطات الرسمية الصينية قد ادركت خطورة ذلك واصدرت اوامرها بمنع قطع اشجار الغابات بل واعادة تشجير العديد من المناطق. وهذا الامر لن تبدو اثاره الواقعية الا بعد عدة عقود من الزمن. هناك مشكلة اخرى تواجهها الصين وتتمثل في ندرة المياه رغم ان البلاد تشهد سنة اثر سنة فيضانات صيفية بسبب الامطار الموسمية. وتمتلك الصين 2200 متر مكعب من المياه للفرد أي ما لا يمثل سوى ربع المعدل العالمي. وهناك ميل الى الانخفاض الى 1700 او 1800 متر مكعب في أفق عام 2030 عندما سيكون عدد سكان الصين حوالي 6 ,1 مليار نسمة. وتعرف مناطق السهول المكتظة بالسكان في شمال البلاد شحاً جدياً في المياه حيث لا تزيد حصة الفرد على 710 أمتار مكعبة. بالمقابل ستزداد الكمية المستهلكة من المياه في الصيف، لأغراض الاستهلاك البشري وللصناعة، من 180 مليارا الى 280 مليار متر مكعب خلال الخمسة والعشرين سنة المقبلة. هكذا اذن ستتفاقم ازمة المياه حتى دون زيادة في عدد السكان. ان الصحاري وشبه الصحاري تحتل اليوم 28% من أراضي الصين. وهذه المساحة تزداد 10 آلاف كيلومتر مربع سنوياً. ومستوى المياه الجوفية ينخفض.. انه ثمن التنمية الذي تدفعه الطبيعة .. ومن خلالها الانسان. عرض ومناقشة: محمد مخلوف

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار دراسات اقتصادية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في دراسات اقتصادية:
إعادة رسم خريطة إفريقيا بمقياس القبلية