المرأة: إلاّ الخيـانـة .. التفسير النفسي لسلوك الخيانة...تحليل علم الاجتماع للخيانة....كيف ينظر الشرع إلى الخائن؟

 
 


انتصار أغــا الصالحي
      إلاّ الخيــانة عبارةٌ تُرددهــا الكثيرات ممن لا تهن عليهن أنفسهن في حفظ ما تبقى من كرامتهن جراء اكتشافها خيانة الزوج أو الحبيب أو أحد الأصدقاء والمقربين ومقابلتها الإحسان بالسوء.. وكذلك الرجل الّذي يتعرض للخيانة التي يُمكن أن تكون صدمة عمرهُ في تعاملاتهِ اللاحقة مع صفة من خانهُ سواء إن كان صديقًًا أو قريبًا أو حبيبة فنجدهُ يضحى كما يُقالُ النمر المجروح.. ولأهمية الموضوع حاولنا تسليط الضوء من خلال التحقيق الآتي:



  السيدة س ي تروي لنا قصتها مع الخيانة ..
    أنا أعمل موظفة في إحدى الكليات، تقدم لخطبتي الكثير من الرجال لكنني لم أقتنع بأي منهم وسارت عجلة الحياة حتى بلغتُ الـ(35) من العمر، فأصرّ عليّ أهلي للارتباط بآخر شخص تقدم لخطبتي رغم عيوبهِ وفي فترة الخطوبة كانت قد اتصلت بي إمرأة تقول بأنّ لها ابنة منهُ وتهددني إن لم أبتعد عنه وافسخ خطبتي فستحولُ حياتي جحيمًا حاولتُ فسخ الخطبة لكنني لم أقدر بسبب إصرار أهلي، فتزوجتهُ غير راضية ورزقت منهُ بطفل، وبعد الولادة أحسستُ بخيانته لي وأصبحتُ أجدُ أشياءً في منزلي تدلُ على وجود امرأة أُخرى تستعمل أغراضي كالمشط والعطور ومساحيق التجميل وترتدي ثيابي، ممّا أزعجني كثيرًا ورتبتُ وضعي لكشفهم متلبسين وفعلاً تمكنتُ من كشفهم بفضيحة انتهت بطردي أنا وطفلي من المنزل وطلاقي.
السيد ص ش يعملُ في محل لأبيه لهُ قصة غريبة تحدث عنها بصوتٍ يائس ومتألم:
   لم أُجرب الحب يومًا، فلطالما انشغلتُ بالعمل مع والدي، ولم أرغب بالزواج لولا إلحاح أهلي واختيارهم لي فتاة من محافظة أُخرى عن طريق معارفنا، لكنني حين رأيتُ الفتاة أُعجبتُ بها لجمالها وطباعها الحلوة وشعرتُ معها بالحب لأولِ مرة، وبعد الزواج رُزقنا بطفلة، وكانت حياتنا هادئة حتى اتصل بي أبي يومًا ليستعجلني في العودة إلى منزلي المجاور لمنزل أهلي، فعدتُ ووجدتُ أهلي متجمعين يطلبون مني تطليق زوجتي لأنّهم رأوا رجلاً غريبًا يخرجُ من المنزل بوضع غير لائق، فجنّ جنوني وقد أقسم أبي على رؤيتهما لكنّها أنكرت طلبتُ منها أن تُقسم فقالت بأنّها لو أقسمت فستتركني وترحل، لكنّ والدي وأخوتي طلبوا مني تطليقها أو التبرؤِ مني.. كنتُ سأترك الدنيا لأجلها لو أنّها أقسمت وبقيت معي، لكنها حين أقسمت أخذت أبنتي ورحلت بعد أن طلقتها، فتزوجت بآخر وأنجبت منهُ ولدين، وأنا مازلتُ وحيدًا وأحلم بأن يجمعني اللهُ بها وبابنتي التي منعتني من رؤيتها يومًا ما..
   أخي ابن أُمي وأبي خان الأمانة عبارة ابتدأت بها (أم مروة) أرملة تعيش مع ابنتها وهي موظفة تابعت بعد أن سألناها عن قصتها، بأنها تعيشُ مع أخيها التي تنازلت لهُ عن حصتها في البيت ليبيعهُ ويشتري بيتاً أكبر منهُ لكنهُ خان الأمانة وطردني أنا وابنتي من المنزل بسبب المشاحنات التي تحصل بينَ زوجتهِ وبيننا حول المشكلات اليومية والحمدُ لله بأنني موظفة وإلا لآلَ بنا الحالُ أنا وابنتي في الشارع.
 الآنسة ر د  لم أكد أُكمل سؤالي عن قصتها حتى أجابتني بعينين مُدمعتين "حسبي الله ونعم الوكيل" فقد أحببتُ شابًا (ي) منذ مرحلة الاعدادية ورفضتُ كل من تقدم لخطبتي من أجلهِ، وساعدتهُ ماديًا وفي الدراسة لأنّهُ لم يكن قد أكملَ تعليمهُ، فساعدتهُ حتى قُبلَ في الكُلية التي تخرجتُ منها، وفي النهاية تركني وتزوج بزميلتهِ بعد أن كان يقسم بأنهُ صادق معي، ولا زلتُ أحمل جرحي من حبي لهُ واستغفالهِ لي طوال كل تلك السنواتّ، وها أنا وقد أصبحتُ في الـ (31) من العمر، وأتألمُ على من رفضتهم لأجلهِ، ولم تعد لي رغبة بالزواج بأحد!..
التقينا بالسيد (ي) وسألناهُ عن خيانتهِ لحبيبته: فأجاب بثقة: أنا لستُ خائنًا، ولم أخدعها أو اجبرها على شيء، وأنني لم أعدها بالزواج، فقط كنتُ أقول لها: إن فكرتُ بالزواج يومًا فستكونين أنت من أختارها، لكن الظروف قد تغيرت وحين فكرتُ بالارتباط رأيتُ بأنّها لا تناسبني كزوجة!..
السيد س ر  شاب في الـ 30 من العمر لهُ قصة مع الخيانة حدثنا عنها بألم قائلاً:
    تحاببتُ أنا وابنة جارنا لسنوات فتزوجتها وكنتُ سعيدًا جدًا حتى اكتشفت خيانتها وخداعها لي.. لدرجةٍ تمسُ كرامتي كرجل شرقي!!.. فانفصلنا بعد شهور قليلة بهدوء بعلم أهلينا، لتفادي الفضائح لها ولأهلها و انتقلت من حيِّنا ورحلت بعيدًا ولا زلتُ أُعاني آثار ذلك الجرح.
  أما انتظار (27) فتروي قصتها: أعجبت بشخصٍ من أول نظرة، وهو كذلك أعجب بي، فتواعدنا في نزهة وشعرتُ حينها بأنني مترددة في الاستمرار معهُ، وبعدها صارحني بحبهِ لي وأنّهُ قد مر بتجربة فاشلة قبلي سببت لهُ الكثير من الألم والجرح فشعرتُ بتعاطفي معهُ لدرجة منعتني من رغبتي بالانسحاب من تلك العلاقة لئلا أتسبب لهُ في جُرح آخر، وبعد مرور فترة قصيرة شعرتُ بحبي لهُ وتمنيتُ أن أرتبط بهِ رباطًا مقدسًا على الرغم من الفوارق الاجتماعية بيننا فمستواه العلمي والاجتماعي أقل منّا، لكنني تجاهلتُ الأمر وفضلتهُ على كل الّذين تقدموا لخطبتي،فقد  رغبتُ حقًا في مساعدتهِ لتخطي آلامهِ، ولكنني اكتشفتُ بعدها بأنهُ متزوج ولهُ طفلة وقد تسبب لي ذلك بجُرحٍ وألمٍ كبيرين فقد قابل نيتي الحسنة بالغدر والخيانة، وكنت سأُسامحهُ في أي شي إلا الخيانة، فلن أغفرها لهُ أبدًا..  وحدثتنا السيدة أم ماجد عن قصتها: بأنّها تحدت الدنيا لتتزوج من أبي ماجد الرجل المكافح والمضحي لعائلتهِ الكبيرة (أهلهُ)، ولعائلتهِ الصغيرة (زوجتهِ وأبنائهِ)، ولطالما كان مثالاً يُحتذى بهِ، ورجلاً ملتزمًا بالقيم والدين والأخلاق، هذا ما عهدتهُ عليهِ حتى سمعتهُ ذات يومٍ يُهاتف امرأة ليلاً، واستمر على تلك الحال ليالٍ عدة، فوسوس لي الشيطان بأنّهُ يخونني ورحتُ أتتبعُ أفعالهُ ومكالماتهُ فأهملتُ بيتي وأولادي وصار شغلي الشاغل هو البحث عن تلك المرأة ومعرفة اسمها حتى سأم زوجي لإهمالي لهُ ولواجباتي المنزلية.. فأخذ يبيتُ خارج المنزل ويتركني مع أولادي.. وأصبحتُ أخشى أن يهجرني إلى الأبد ولكنني الآن صرتُ شبه واثقة بخيانتهِ لي وزواجهِ من أُخرى بسبب غيابهِ عن المنزل لأيام عدة بعد أن كان لا يطيق فراقنا ليوم واحد!.
 د.طالب السوداني سألناهُ عن تحليل علم الاجتماع للخيانة فأجابنا مشكورًا: الخيانة سلوك اجتماعي طبيعي موجود منذ زمن قابيل وهابيل وأخوة يوسف.. فالسلوك موجود بحسب تذبذبات الحياة والمصالح ومستوى الفهم.. والخيانة تأتي نتيجة مستوى علاقات مهلهلة.. غالبًا ما تكون بداياتها سريعة فما يأتي سريعًا يذهب سريعًا.. فهناك حكمة جيدة تقول: الصداقة الحق نبات بطيء النمو.. كالعلاقات الاجتماعية التي حصلت نتيجة تعارف قصير العمر لا سيما الصداقات و الحب.. وبالنسبة لخيانة الرجل للمرأة في مجتمعنا فإنّ نفسية الذكر لا تكتفي بواحدة والمرأة في مجتمعنا لا تغطي هذا النهم فيحصل فراغ يؤدي إلى اللعب بمناطق أُخرى...  فتكون المرأة صاحبة الحاجة الكبيرة أما الرجل فهو صاحب الحاجة الأقل (الغريزية) عادة، فالفتاة تأمل زواجًا والفتى يأملُ شهوة وهنا تكون الحكاية.. وفي الثقافة العامة في المجتمع كل شيء غير واضح يؤدي إلى خيانات، ولأن شخصياتنا إنفعالية ترانا نُبالغ بالأمر أما الخيانة على المستوى الأكبر فكانت منذ بدء الخليقة.
فالخيانة سلوك اجتماعي يخلقهُ الوضع الثقافي الّذي يعيشهُ المجتمع..  أما نظرة المجتمع للخائن فهي اجتماعية تتدخل فيها القيم والعادات والتقاليد والدين وكل تلك المفاهيم تنبذ هذا السلوك لأنّهُ يتسبب في أذى الآخرين، فالخيانة تجاوز على حق الآخر.. والكذب في العلاقة، فهي تتدخل في البناء الكلي لثقافة المجتمع.. وهناك أمرٌ آخر ففي كل مشكلة ينبغي أن ندرس أطرافها كافة، فقد لا يرى الشخص الّذي نصفهُ بـ(الخائن) نفسهُ خائنًا وتراهُ يدافع عن نفسهِ بأعذارٍ مقنعة للبعض أو قد تكون غير مقنعة..
 وتقول السيدة سعاد أغـا دكتوراه في علم النفس: أنّ كل سلوك إنساني سواء إن كان مقبولاً أو مرفوضًا اجتماعيًا، لهُ عوامل وشروط لا يتم من دونها، فحتمًا أنّ هناك استعدادات لأي سلوك ودوافع شعورية أو لاشعورية للقيام بهِ، فضلاً عن الظروف الاجتماعية التي تُحيط بمرتكب ذلك السلوك، وأنّ الغايات والأغراض تقوم بدورٍ مهمٍ في تحديد السلوك، فكل سلوك يهدف إلى غاية، وإن معرفة الإنسان دوافع غيرهُ من الناس على ارتكاب الأخطاء تحملهُ على التسامح ورحابة الصدر وإيجاد العُذر في بعض ما يفعلون، ولكن ليس في كل الأمور فهناك سلوك مرفوض اجتماعيًا، لأنّ ما قد ينتج عنهُ التسبب في أذى النفس البشرية، ومنها الخيانة التي تنبذها المجتمعات لا سيما المجتمعات الشرقية   وللخيانة دوافع عدة قد تتداخل في بعضها البعض، فقد يكون سببها الغضب أو الخوف أو الطمع أو الدافع الجنسي، والكذب في العلاقات قد يكون نتيجة شعور خفي بالنقص، أو الانتقام..     قد تتحول العاطفة نحو أشخاص معينين إلى بغض وكراهية إثر صدمة إنفعالية واحدة، فحب الأخ لأخيهِ والزوج لزوجتهِ والزوجة لزوجها والصديق لصديقهِ قد ينهار فجأة ويحل محل تلك المشاعر النبيلة مشاعر البغض والكراهية والرغبة في الانتقام، إن اتضح حيود الإنسان المقرب عن الوفاء والإخلاص وهو ما نسميه بـ الخيانة، والحلُ هو اتباع الطريق الصحيح لغرس الاتجاهات والعواطف والقيم والمبادئ السليمة كعدم التجاوز على حقوق الآخرين، والإيفاء بالمواعيد، واحترام الكلمة التي نطلق عليها (وعدًا)، فتلك الاتجاهات والقيم تغرس منذ الطفولة ولا تلقن.   أما السيد حيدر سامي تخصص/ دراسات إسلامية لا يُخفى على أحد ما يعانيه المجتمع من مشكلاتٍ تزعزع الكثير من العلاقات الإنسانية الطيبة التي ضد ديننا وعقائدنا، فكل مجتمع يحدد أهدافًا يسيرُ عليها أبناءهِ، وفي مجتمعنا الإسلامي ينبغي تعويد النفس على أمور كثيرة منها: أمور الدين كقولهِ تعالى: " يا أيُّها الّذينّ آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكةٌ غلاظٌ شدائدٌ لا يعصونَ الله ما أمرهمْ ويفعلونَ ما يؤمرون". فتقوى الله بطاعتهِ وتجنب نواهيه، والخيانة هي نقيض الأمانة، والقناعة بما أعطانا الله وحلل لنا، فـ "الحلالُ بيِّن والحرامُ بيِّن"، لأنّ عدم القناعة يُفضي إلى سلوكياتٍ غير مرغوب فيها كالخيانة التي هي مثل الغش والسرقة، وعدم الرضا بقضاء الله، عن عبد الله بن عمر قال: عن رسول اللهِ محمد (صلى الله عليهِ وآلهِ وسلم) قال: ( قد أفلح من أسلمَ ورزق كفافا وقنعه الله بما أتاه)، وأنّ مراعاة العدل في التعامل في كل الأمور يبعدنا عن نشئ العداوة والبغضاء واتباع الغرائز والمصالح الشخصية حتى لا تتسبب الأضرار النفسية والخلقية والاجتماعية، واللهُ ولي التوفيق.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار المرأة
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في المرأة:
زواج المرأة من رجل يصغرها سنــّا ً... أسبابه ُ ونتائجه ُ