المرأة: عنف الرجل ضد المرأة

 
 


د. نصيف الجبوري *

هموم العراقيين لا تعد ولا تحصى منذ عهد النظام الدكتاتوري المقبور الى الاحتلال الامريكي ومواليه حتى مخلفاته ومآسيه. فمن الحصار الظالم الى القتل والخطف على الهوية فالدمار البنيوي مرورا بالرشوة والفساد الاداري والصراعات الطائفية والقومية والعشائرية الى الظلم الاجتماعي مسلسل لا يزال الشعب يعيش حلقاته تباعا.



نريد اليوم ان نسلط الضوء على مشكلة شبه منسية لا يتجرأ الكثيرون الخوض في غمارها مع اهميتها القصوى وهي مشكلة العنف الاسري داخل العائلة الواحدة والتي تعاني منها المرأة ليل نهار في السر والعلن. حتى باتت في اذهان الكثير من النساء أمر عادي وطبيعي لا داعي الخوض فيه والنقاش حوله، لانه يفتح جرحا غائرا لا علاج له خصوصاً في المناطق المحافظة من العراق.
ان في كل مجتمعات العالم المتحضر وحتى غير المتحضر حد أدنى لا يمكن تجاوزه في شأن حقوق المرأة، ومن خلال قوة ممارسة تلك الحقوق يقاس تقدم هذا البلد أو ذاك. كما ان من عوامل التقدم لدى جميع الامم مسلمة وغير مسلمة مدى قوة الترابط العائلي في الاسرة الواحدة ودور المرأة في تلك الامم التي تعيش فيها. وبطبيعة الحال لا يمكن لأي بلد ان يتقدم ويصل الى اعلى درجات الرقي من دون مساهمة نصفه الاخر بالبناء والعلم والعمل.
أما المجتمع العراقي فقد بات يتميز بخاصية خطيرة تهدد ترابطه الاسري من الجذور. وقد تكون هذه المشكلة هي الاسوأ عليه حاضرا ومستقبلا، وقد لا تضاهيها المشاكل المستفحلة الاخرى رغم شدتها كالرشوة والفساد الاداري والارهاب ومخلفات الاحتلال والفقر وضعف البنية التحتية والبطالة والتخلف الخ. أنها مشكلة انتهاك حقوق المرأة.
ان اهانة المرأة جريمة ما بعدها من جريمة ويعاقب فاعلها في كل القوانين السماوية والوضعية فالقرأن الكريم يربط القوامة بالتزام الرجل بمصاريف الزوجة والاولاد، وألا فلا قوامة له على المرأة اذا ما تخلى عن هذا الشرط.
فرسول الله يقول (ما اكرم المرأة الا كريم وما اهانها الا لئيم) ويوصي صلى الله عليه وسلم الابن البار بأمه ثم أمه ثم أمه ثم ابيه. ويقول ايضاً (أكمل المؤمنين ايماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم).
ان مكانة المرأة عظيمة في الاسلام ولها رأي مسموع فقد منحها القرآن الكريم حقوقها ورفع من شأنها كذلك الامر لدى رسول الله. فالمسلمون يقرأون في صفحات التاريخ حوارات رسول الله مع نسائه ونساء المسلمين. لن ينسى المسلمون ابداً رأي أم المؤمنين أم سلمة عندما جنبت المسلمين الاوائل فتنة عصيان اوامر رسول الله، عندما طلب منهم ان يحلقوا رؤوسهم ايذاناً بانتهاء مشاعر الحج رغم عدم وصولهم الى المسجد الحرام اثر توقيع اتفاقية صلح الحديبية. لقد عصوا ذلك الامر، فدخل رسول الله الى بيته غضبان غضباً شديداً، فبادرت زوجته أم المؤمنين برأي سديد فقالت له يا رسول الله ان القوم قد وجدوا في انفسهم حرجاً شديداً لأنهم لم يصلوا المسجد الحرام، فأذهب انت وقل لخادمك ان يحلق لك وستجد المسلمين يفعلون كما تفعل. لقد صدق رأي ام سلمه وجنبت المسلمين غضب رسولهم.
لا ننسى ايضاً ان رسول الله منح المرأة كرامتها واستقلالها المادي بمواقع كثيرة منها الحادثة المشهورة، يوم سألته هند زوجة ابو سفيان عندما أخبرته بأن زوجها بخيل ولا يعطيها حقها من المال، اجابها رسول الله بأن تأخذ من ماله بالمعروف حتى دون علمه. ويقرأ المسلمون ليل نهار في القرآن الكريم كيف كرم الله تبارك وتعالى المرأة ومنحها حقوقها في سور كثيرة كآل عمران والنساء ومريم والطلاق وسورة المجادلة التي خلد فيها القرآن الكريم حق خولة بنت حكيم مع زوجها فالرجال شقائق النساء.
ان ما يجري بالعراق يفوق كل تصور فالرجل في احايين كثيرة يهضم حق زوجته بل يعتمد على راتبها لمصالحه الشخصية ويستخدم معها كل وسائل الضغط المعنوي والمادي للوصول الى مبتغاه. في حين ان الشرع والدين الاسلامي يحتم على الرجل تحمل اعباء الاسرة ولا يحتم على المرأة حتى لو كانت غنية أو موظفة ان تصرف شيئاً للأسرة، ومالها لها شخصياً تفعل به ما تشاء.
في اي عقيدة تجبر المرأة على تحمل اعباء الاسرة من مالها الخاص؟ انه ظلم وحيف لحق ويلحق بالمرأة اضافة الى المظالم الاخرى المتعددة. اي كرامة ومروءة تبقي لرجل يهدد ويتوعد زوجته وام اولاده ليجبرها ان تمنحه راتبها عنوة ليتصرف به كيف يشاء. وأن ترفض ذلك فانه يهددها بالهجران أو يتزوج عليها أو يضربها أو يشوه سمعتها ويتفنن في اذلالها طمعاً بمالها.
هناك الكثير من النساء اللاتي يشترين راحتهن بمالهن بسبب العنف الفحولي ضدهن وخوفاً من جاهلية المجتمع الذي لا يرحم وينسى الرجال ان الزوجة هي أمرأة مثل اخته أو امه أو ابنته.
ينسى العراقيون ايضاً دور المرأة في ايام المحن، فقد نسوا أو تناسوا دور المرأة في تسيير دفة الدولة ايام الحرب العراقية - الايرانية واثناء الحصار وايام الفتنة الطائفية بين سنتي 2005 و 2008، عندما اصبح النساء اشجع من الرجال يتسوقن ويسافرن ويراجعن الدوائر الحكومية وينجزن المعاملات الرسمية أضافة الى العمل المنزلي وتربية الابناء مكان ازواجهن او ابنائهن او اخوانهن او ابائهن، وتحول الرجال الى نساء قعيدي البيوت خوفاً من القتل والخطف والاعتقال.
وهل جزاء الاحسان ألا الاحسان فرحمة بالجزء الاكبر من مجتمعنا وليخشى الرجال غضب الله جل جلاله، فلا ندري قد يكون الله تعالى قد حبس رحمته عن العراقيين لهذا السبب أي ظلم الرجال للنساء. ((واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)). لا تكفي بالطبع الشعارات الرنانة والخطب العصماء عن حقوق المرأة، دون ترجمتها من قبل اصحابها على انفسهم اولاً قبل غيرهم. ولنتذكر قوله تعالى(( يايها الذين امنو لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون)).
أين الحكومة أذن من سن قوانين صارمة لمعاقبة هذا الظلم الاسري الخطير؟ وأين الاعلام من إبراز الموقف الاسلامي الصحيح لتكريم المرأة وضرورة الحفاظ على حقوقها؟ وأين رجال الدين من قول الحق وشرح حقوق المرأة من خلال القران والسنة النبوية؟ ومتى سنطالب بالعدالة لغيرنا مثلما نريدها لنا؟ ومتى نقول الحق ولو على انفسنا؟ ثم متى سنشرع قانون نجرم فيه من يظلم المرأة؟ ولماذا نمارس القسوة ضدها دون وازع اخلاقي؟ ولم لا نحاول ان نغير الواقع الاجتماعي الجاهلي رغم خطورته البالغة وتناقضه مع الاسلام على مصدر قوة المجتمع ومجدد حياته؟ أنها المرأة التي تستحق الكثير من الاحترام والتقدير والمكانة، خصوصاً المرأة العراقية التي جاهدت في شتى الميادين وفي اعسر وأدق الظروف حساسية في تاريخ العراق. فارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء.

كاتب عراقي مقيم بفرنسا في زيارة للعراق

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار المرأة
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في المرأة:
زواج المرأة من رجل يصغرها سنــّا ً... أسبابه ُ ونتائجه ُ