ثقافية: جماليات النص الوجداني في مجموعة ”صلاة لعينيها” لمزهر الكعبي

 
 


عبد الرضا جبارة
محاولة الدخول الى مجموعة الشاعر مزهر الكعبي صلاة لعينيها محاولة ممتعة لأنها توجه المتلقي توجيها ساكنا، لا يمارس سطوة مطلقة بالمعرفة... فمزهر الكعبي لا يملك الا وعيه الخاص يقدمه بطريقة تؤسس رؤيته في إطار تقنياته الخاصة، و سوف تفصح المحاولة عن لفت نظر المتلقي الى شيئين مهمين: الأول أن العنوان  بوجوده "صلاة لعينيها " يتساوق مع وجود مضامين المتتاليات للنص الشعري والتي توزعت بنيويا على أنساق استهلاليا  المجموعة الشعرية ، و ربما يشير العنوان الى فضاء خاص بوصف الصلاة تشكل أطارا أعلى  وأعمق دلالة في كل الأزمان، وهي في نفس الوقت تشكل مدخلا استهلاليا قد تسرب الى فضاء النصوص تلقائيا وشكل رؤية للشاعر ومنظورا للدلالي والجمالي للحب، وهذا ما  يستشفه القارئ والناقد.



  والجزئية الثانية هي : الحالة الدلالية والتي تخلى فيها الشاعر عن فردية الرؤية. والتحم بالموضوع. وفي هذه الحالة ثمة دلالة جديدة في ذلك السياق، غادرت ماديتها لتلتحم بسلطة نموذج متخيل يرتبط باليوتوبيا المتخيلة فمزهر الكعبي يعيش دائما حالة تواشج الحب حتى لو كان هذا الحب وهذه المرأة بعيدة عنه ويفصله عنها جدار الصمت . يقول الشاعر من قصيده.
لموج الحنين ببحر قلبي
 لصوت العذاب بروحي     
كقنديل ضوء أراك
فصمتي وحيد يحن اليك
ومات /عريق/ عند سقف سماك
 فالشاعر يشكل دلالة انسانية للعشق وللمرأة في اطار البناء
  الموضوعي الذي ينطلق منه العاشق , وفي هذا المجال سوف تتجلى صميمية الشاعر والممثلة
  ضمير المتكلم والذي يشير الى التفاني والذوبان في المحبوب يقول الشاعر من قصيدة اليها):
انتظرناه ..
ولم يأت
 وقد شبت شغاف القلب بالنار وبالزيت
فقول كيف يحيا مزهر لا قدر الله اذا مت
كلانا يعشق الأخر ملهوفا
على الحب .... اما خفت
 فمن لي حسنه في الارض الاك
ثم يتواصل مزهر الكعبي بتقديم هذه الدلالات ضمن منظورها
 الجمالي والانساني ولكن عن طريق الايماءات الموحية حيث تتجلى
 دلالة الوعي الادراكي ووقوفه على مرحلة ادراكية خاصه ترى
الحياة من خلال عينيها ولكن النص الشعري يأخذنا من هذا الجانب
الخاص ... يقول الشاعر:-
ستزهو
 في دنا بيتي
 جفا يلحق الانسان لكن
وبناء على هذى فان طبيعة الشعرية التي يقدمها الشاعر تتجلى في
 خفوتها الخاص فهي تعلن عن موقفها الحياتي دون ضجيج. فلم تعد
فخامة البناء الشعري تغرر الشعراء بل صار خصوصية للرصد
 الانمائي يتجلى من خلالها الموقف الانساني ولكن الموقف الذي
 تشكله شعرية لها طبيعتها الخاصة .وهذا الموقف لا ينحصر عندعنه تجربة الشاعر في هذه المجموعة.
والكعبي في كل هذه المدلولات التي تمتد فيها تجربته الشعرية.
 يحقق استشعارا عاليا لنصوصه الوجدانية فيرتقي به عبر مستويات فنية وبناء تعبيري للمهيمن الشعري الذي اختاره وهو المرأة والحب، ولم يرتكز عند هذا البناء على أي بناء آخر سواء كان من الموروث الشعري أو الحداثي والذي عجت به صور البلاغة والاستعارة واستعار الآخرون أصابع غيرهم ليكتبوا أو يحاكوا هذه التجربة أو تلك لسبب فني أو وجداني وقد يصل الأمر ببعض الشعراء أن يسرقوا عواطف غيرهم، لكن مزهر الكعبي وبأصالة واضحة يقترب من هواجسه ولواعجه بوشائج روحية مهذبة مكتظة بالهم الإنساني الصادق والنابض بالعشق وبالإنسان، فيلفحنا بنصوص شعرية متوهجة، وبهذه المقاربات الروحية تتضح مقدرة الشاعر  على استيلاد المعاني الجميلة للحب ومقدرته على توظيف الثنائيات المتقابلة، يقول الشاعر من قصيدة له بعنوان وداعا” : أيا أقسى من الظلم
ويا  أحلى من الشهد
عذابي فيك مشدود  الى القعر”
وهذه الثنائية ترتبط بخصوصية التشكيل الإنساني المشدود دائما الى المرأة، او في ثنائية الروح والجسد، أو في ثنائية الشاعر والإنسان، ولكن الشاعر وكما يبدو من امتداده الشعر حريص على ثنائية المرأة والحب، وأن تأخذ شكلا أساسيا وان تغدو سمة واضحة في متتاليات النص والاعتماد عليها هو المولد الشعري والإبداعي عنده فقد عثر فيها الشاعر على المعنى الإنساني المنشود وعلى فردوسه وخلاصه.
   واتخذت في  معجمه الشعري وفي رؤاه مثابات متعددة، يقول الشاعر من قصيدة رائعة بعنوان الجدار:
"من أين اتى بالعيون الثاقبات لذا الحجر حتى اراك
أسبح الرحمان مبهورا بميلاد القدر
وأطيل  لعينيك تراتيل السحر
لا ابتغي غير الطهارة في هواك
ولا أرى حول العيون مليكتي
إلا الملائك تغتفر
يا مرفأ العشاق دعني في الطواف
وخلني في ضوء عينيها اعتمر
وباستقراء أولي نلاحظ أن هذه الثنائيات تلتقي مع نواة النص  " العين" ليشكل مثلثا شعريا متفردا (المرأة - العين - الحب)، فالترابط العضوي يتنامى من خلال  هذه اللحملة الشعرية ونواة القطبية اتسعت وتكررت بترنين جليل، يقول الشاعر ضمن هذا الاستقطاب الشعري مثلا:
تغرقني عيناك
زيارة غير متوقعة
هدهدت في عيونك الأحلام
زيارة غير متوقعة
وضوء عينيها معي في القلب لما يحترق
صلوات
أحن في شوق الى عينيك
زيارة غير متوقعة
 عينا مهرجان
قصيدة عيناك
عينا قنديل
قصيدة عيناك
عيناك أنت
 ذكرى
وأي العيون المنيرات  ذكرى  
 إن لم تكن عينا أنت المنيرة   ذكرى   
 وأي العيون المطيرات بالحب والورد  ذكرى    
 في نيسان    ذكرى
  وبهذا التناوب تتموضع العين كنواة لنص وجداني أخاذ - نجح الشاعر فيه - بوتائر تلامس القلب بصدق وجلال، ولتبشر بإخلاص بأن الحب رغم مفازات واقعنا الصلد يبقى الواحة التي يستريح بها الإنسان.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار ثقافية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في ثقافية:
كيف غزا حاتم علي السينما المصرية؟