سياسية: الحوار الوطني والأزمة السياسية الراهنة

 
 


أحمد العاني
برغم ما شاب التظاهرات التي خرجت في عدد من المحافظات من بعض المظاهر المرفوضة برفع نفر قليل من المتظاهرين لشعارات ومطاليب استفزازية ومتشنجة ولا تمت الى جوهر المطاليب العادلة والمشروعة التي خرجت لاجلها الجماهير، بدوافع الجهل او بتحريض قوى خارجية او داخلية مشبوهة الاهداف والغايات بفعل التاخير غير المبرر للاستجابة لغاية نزع شرعيتها ،الا انها فتحت كوة في جدار الواقع الذي تكتنفه العتمة والظلام وسلطت الضوء على جزء من المشكلات والازمات الغافية في زوايا النسيان واهمالها لزمن طويل وزيادة تراكمها دون معالجات سليمة وسريعة قد تعرض الامن الوطني والسلم الاهلي للخطر،واشرت مواقع الخلل والارباك والضعف في البناء السياسي والقضائي ومدى اهمال التصدي لظاهرة الفساد المالي والاداري التي طالت كل مفاصل الدولة وتفرعاتها ،واشارت الى ضرورة التعاطي مع هموم  الناس واحتياجاتهم باعتبارها حقوق مستحقة و ملزم الاخذ بها لطرد احتمالات تفجرها في ازمنة قد يعجز المجتمع عن تدارك مخاطرها و استيعاب تداعياتها وابطال تاثيرها .



بينت التظاهرات مقدار عمق وسعة الخلافات التي تتحكم بعلاقات القوى والكتل المتصدرة للعملية السياسية وعجزها المطبق عن ايجاد رؤى وتصورات مشتركة لها قدرة التعامل مع ما يطرحه الواقع من مشكلات وتفكيك عناصرها وطرح الحلول الايجابية لها ،وهو مؤشر الى ان طرح الازمات على طاولة القوى المؤتلفة الحاكمة وانتظار الحلول والمعالجات لها يستغرق طويل الزمن الكفيل بايجاد مشكلات وازمات جديدة خلاله وارتهان البلاد الى دوامة من الازمات المتتالية والمستمرة وابقاء الشعب على الدوام في اجواء تتسم بالاحباط والخيبة والصدمة ،وانصراف قياداته عن التفكير في سبل انهاض البلاد وتنميتها والاستجابة لاحتياجاتها الاساسية في انتشال المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية من وهدة ما تعانيه وتتعرض له من مشكلات وعراقيل،وابقاءها تراوح في خانات التخلف والتاخر دون افق يرسم طريقها  لمستقبل متطور ومتقدم وواعد  يستجيب لحاجات الناس وتلبية استحقاقاتهم في بلد يمتلك اسباب ومكونات ترجمتها .
عليه لا مناص من التفكير الجاد والعميق في اعادة النظر بمجمل السياسات والممارسات التي اتبعت لما بعيد تغيير التاسع من نيسان وتحديد نقاط الخطأ والصواب التي رافقت العملية السياسية ،والعمل على معالجة الاخفاقات والاخطاء بروح المسؤولية الوطنية والحرص على مستقبل البلاد ، وتعزيز الخطوات الايجابية وزيادة وتقوية مساحة اسسها وقواعدها لتغدو جزءا من واقع جديد يراد قيامه.
ان تغييراً جذرياً في بنية الواقع اصبح امرا غير قابل لمزيد من التاجيل والتاخير ،وتاتي سد الثغرات في الدستور بتفعيل عمل اللجنة النيابية المكلفة بذلك من اولويات عملية الاصلاح والتغيير المنشودة ،وتصويب الاعوجاجات التي رافقت مسار النظام السياسي الذي حمل عنوان النظام الديمقراطي الذي رافقه الكثير من الاخطاء والتشوهات لقيامه على قواعد واسس هشة وضعيفة اساءت لمضمونه الحقيقي و عجزت عن اعطائه مرونة التطور وبلوغ درجات متقدمة على سلم الصعود والخلاص من الشوائب والمعوقات  التي ترافق اي نظام سياسي لا يمتلك ارضية محروثة ومعدة لمد جذور قيم ومفاهيم  جديدة وتوغلها في ارض المجتمع وطبقته السياسية التي نمت وتربت في حاضنة ثقافة نظم  استبدادية وشمولية.
ان ما اطلق عليه الديمقراطية التوافقية التي اعتمدتها قوى المعارضة بعيد السقوط اتساقا مع تقسيم المجتمع لما قبل السقوط  الى ثلاثة مكونات رئيسة ووجوب احتوائها في دائرة الحكم وتعذر استبعاد احدها ،وضعف فعالية وتاثير الاحزاب والقوى العابرة للطائفية السياسية والعرقية والاثنية رشح هذا النظام والتمسك به على الرغم من اخطائه وعيوبه الجمة والذي يقف وراء ما اصاب مناحي الحياة كافة ،ما يستلزم ازاحة هذا النهج عن النظام السياسي لعجزه الآن التعاطي مع مستجدات الاوضاع الراهنة و فشله في الاستجابة لحاجات التطور والتحديث  ووضع البلاد على سكة العمل والبناء وتقديم الخدمات التي لا غنى للمجتمع عن رؤيتها  على الارض.
ان نظام المحاصصة او الديمقراطية التوافقية غير قابل للتطور وملامسة استحقاقات  ابناء المجتمع في العدالة والمساواة والغاء التمييز والاحتكام الى القانون واعلاء شأن المواطنة لان طبيعة  النظام ونهجة عوامل طاردة لمقومات بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة التي لا يمكن تحقيق هذه القيم والمفاهيم وترجمتها دون قيامها، ما يقتضي العودة الى الديمقراطية بمفاهيمها الحقيقية ومسارها واجوائها الصحيحة.
هناك دعوات لعقد مؤتمر يجمع على طاولته كل اطراف العملية السياسية للخروج بتوصيات او مقررات ملزمة في احسن الاحوال لامتصاص النقمة التي تجتاح  الشارع واطفاء الحريق الذي يكاد ان يمتد بكل الاتجاهات والهروب بالعملية السياسية من المأزق السياسي الذي يأسرها ويعيق انطلاقها نحو التطور والتقدم ،واذا ما استطاع المؤتمر ان يتخطى الصعاب والمعوقات والوصول الى حلول توافقية لما يعتري الواقع من مشكلات ومخاطر فان ذلك يتطلب الدعم والتاييد ،لكن علمتنا تجاربنا مع الحالة السياسية لما بعد التغيير ان دعوات الحوار تطرح كلما اشتدت الازمات وتعقدت المشكلات وتفاقمت المآزق وانحدرت البلاد الى مهاوي وانفاق مظلمة قد يصعب الخروج منها دون اشراك جميع القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية في ذلك لتامين المصالح المشتركة وتفويت الفرصة على عوامل الانفجار من التفاعل والوصول الى حالة يصعب عليهم التحكم بنتائجها .
ان دعوة الحوار في العراق تستهدف خلق مناخات لايجاد معالجات وسط ترضي جميع الاطراف وتؤمن مصالحهم وتخلق حالة من التوازن في الواقع السياسي ،وهي بمثابة هدنة تخدم الاطراف المتحاربة او المتأهبة للمواجهة وابقاء الازمات حالة قائمة دون حلول جذرية ،ما يقتضي عدم الافراط في التفاؤل والرهان على الحوار لانهاء حالة التوتر والتشنج التي تنتاب علاقات القوى السياسية التي فشلت في نسج رؤية مشتركة ازاء الكثير من الاحداث التي عصفت بالبلاد وابطال مخاطرها .
ليس من ضمانات لنجاح الحوار بوضع الخطط والبرامج والآليات الكفيلة بالتعامل مع الازمات والمشكلات وسحبها من حالة الاستعصاء الى حالة الحل النهائي بغياب ثقافة الحوار السليمة وانعدام الثقة المتبادلة ،ويخشى ان يعتمد الحوار لغة وسياسة التسويف والمماطلة لكسب الوقت واحراج الخصوم ومحاصرتهم في الزوايا الضيقة ،وفي احسن الاحوال الوصول الى حلول ترقيعية مؤقته في محاولة لتاجيل المواجهة مع المشكلات والازمات واستدراج الحلول المباشرة لها بما يلغي تاثيرها وينهي مخاطرها ،خشية المس بمصالح القوى الفاعلة والمسؤولة عما يحدث للحيلولة دون تداعي الامور وتراجعها والعودة الى الحالة الحرجة التي يصعب التحكم بمساراتها او درأ مخاطرها .
ان ما يدعو الى التشاؤم بالمؤتمر الذي تحدثت عنه بعض وسائل الاعلام غياب الرغبة المشتركة لرفاق العملية السياسية من انجاز مهام المؤتمر بالوصول به الى غاياته وبدأ مسار جديد يضع سلبيات المرحلة السابقة جانبا ويعزز المشتركات لبناء عراق جديد وحديث، على الرغم من ادعاءات الجميع بتوافر النيات والرغبات المشتركة في انجاز ما فشلوا في التوصل اليه طيلة المرحلة المنصرمة.
الحوار يهدف عادة الى ايجاد ارضية مشتركة بين الاطراف المتحاورة تساعد على تضييق شقة الخلافات والتقريب بين وجهات النظر المتباينة وتقديم ما يستلزم من تنازلات متبادلة واعتماد الاولويات بتقديم الاهم على المهم لتكون اساسا للتحاور  وتقليص المسافات الفاصلة بينهم ، على ان تكون هنالك ثقة متبادلة بين الاطراف المتحاورة ورغبة اكيدة بالتوصل الى نتائج مرضية للجميع ،وهو ما يفتقده المتحاورون وهي ليست نظرة متشائمة بقدر ما هي حالة استقراء الواقع و استنباط حقائقه ووضعها في اطارها الصحيح حتى لا يعيش البعض في الاوهام والتمنيات الخادعة والبعيدة المنال في ظل معطيات واقع لا تبعث على الامل والطمانينة والتفاؤل.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار سياسية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في سياسية:
الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها