علمية: يعد أكبر مشروع لحفظ المعلومات في العالم .. تراث البشـرية الرقمـي تحـت جبـل

 
 


على بعد 370 كيلومتراً إلى الشمال الغربي من مدينة أوسلو النرويجية تقع قرية مالوي الصغيرة التي يبلغ عدد سكانها 3000 نسمة . سكان هذه القرية لم يتراجعوا عن موقفهم طوال الخمس عشرة سنة الماضية إزاء قرار إقفال منجم لوفيدال القديم فقد بذلوا قصارى جهدهم كي يعاد فتحه ولكن ليس لاستخراج الأوليفين (الزَبَرْجَدٌ الزَيْتُونِيّ) كما كانت العادة سابقاً بل لأمر آخر سيسهم في حفظ تراث البشرية الرقمي!



الحقيقة أن الشركة المنفذة للمشروع (لوكال هوست) يهمها من هذا العمل الجبار المساحة الكبيرة تحت الجبل التي تصل إلى 120 ألف متر مربع التي يمكن الوصول إليها بوساطة طريق مرصوف حلزوني الشكل، يمر داخل نفق يبلغ عرضه 13متراً وارتفاعه 9 أمتار، ويمكن القول إن هذا المكان يعادل بمساحته حجم 18 ملعب لكرة القدم وهو بحسب الشركة المنفذة للمشروع مثالي ليصبح أكبر مركز للمعلومات في العالم (داتا سنتر) أو مركز معالجة وحفظ للمعطيات الرقمية، تحت هذا الجبل ستربض كمبيوترات ضخمة وقوية جداً وذات سعة تخزين هائلة يطلق عليها أخصائيو المعلومات (سرفرات)، هذه الأجهزة ترتبط ببعضها بعضاً وتخزن وتعالج المعلومات القادمة عبر الإنترنت . ويمكننا على سبيل المثال أن نجد فيها ملفات وحسابات كبرى للشركات التي نعرفها على الشبكة العنكبوتية مثل ياهو وغوغل وفيس بوك وويكيبيديا وغيرها وبكلمة مختصرة لو لم يكن هناك ما يسمى بالسرفرات الكبيرة لتخزين المعلومات، فإن ذاكرة الإنترنت لا يمكن أن توجد في أيدينا الآن، وتعد هذه الأجهزة (السرفرات) بعشرات الملايين في العالم وتمتلك شركة غوغل منها وحدها ما يقارب المليون جهاز، أما شركة الفيس بوك فتمتلك 180 ألف جهاز حسب كلام جيمس هاملتون المتخصص العالمي بالشبكة المعلوماتية (الإنترنت)، ويقول هاملتون إن هذه الأجهزة ينبغي أن تكون محفوظة في أماكن فائقة الأمان من ناحية التكييف والبعد عن إمكانية القرصنة، وتأمين تيار كهربي دائم لها مع الحرص على إجراء صيانة لها على مدار الساعة، ويشير إلى أن كل هذه الضرورات والأعباء جعلت المؤسسات المعنية تفكر في تسليم سرفراتها لمؤسسات متخصصة في إدارة ما لديها من معلومات داخل هذه المراكز الضخمة، وكانت مؤسسة إيمرسون نت وركس المتخصصة في إنشاء بنى تحتية معلوماتية قد أجرت حسابات وخرجت بنتائج مفادها أنه منذ العام 2011 أصبح هناك 510 الآف من المراكز المعلوماتية في العالم التي تشغل مساحة إجمالية قدرها أكثر من 26 مليون متر مربع أي ما يعادل مساحة 3300 استاد لكرة القدم .

عقبات مهمة
ثمة عقبات كبيرة يواجهها أخصائيو حفظ المعلومات ناتجة عن الكم الهائل للمعلومات المحفوظة والتي تؤدي إلى انبعاث كمية كبيرة من الحرارة من هذه السرفرات الأمر الذي يتطلب اللجوء إلى إنشاء أنظمة تكييف ضخمة، لأن عملية تبريد أجهزة الكمبيوتر التي تحفظ المعلومات تمثل 30% من نفقات الطاقة الإجمالية أما ال70% المتبقية فتستخدم لتغذية الكمبيوترات وأجهزة الصيانة، وكذلك الأجهزة الخاصة بالأمان والأمن . الجدير بالذكر أن داتا سنتر متوسط الحجم يستهلك طاقة تعادل التي يستهلكها 40 ألف منزل!
من هذا المنطلق فإن الأجهزة العالمية التي تحفظ المعلومات مسؤولة عن انبعاث 230 مليون طن من غاز ثاني أوكسيد الكربون سنوياً أي ما تطلقه من غازات بلد مثل الأرجنتين .

موقع مثالي
إزاء هذا الأمر فإن موقعاً مثل لوفيدال سيكون مثالياً من ناحية التبريد فقرب المنجم من البحر في هذه المنطقة الباردة سيجعله يستفيد من ماء تبلغ درجة حرارته 8 درجات على مدار السنة وهكذا لن نكون بحاجة إلى أجهزة ضغط للحصول على البرودة على غرار أجهزة التكييف العادية التي تتطلب هذا النوع من (الكومبروسورات) لضغط الغاز من أجل تبريد الهواء، وبما أن الماء سيتم ضخه من عمق يبلغ 200 متر تحت سطح المحيط في هذه المنطقة المتجمدة، فإن الماء سيحتفظ ببرودته بعد نقله بوساطة أنابيب إلى أجهزة تبادل الحرارة التي تعمل داخل أجهزة التكييف، وبالتالي فإن الحرارة التي تطلقها السرفرات لن تضيع هباء، لأنها يمكن أن تستخدم في تسخين البيوت الزجاجية (الدفيئة) التي تستخدم لأغراض زراعية، كما ستستخدم في تدفئة المنازل المجاورة والأماكن المخصصة لسكن الباحثين الذين سيعملون في هذا المنجم المعلوماتي، ويقول ماتس أندرسون المدير التسويقي للمشروع: "إننا نفكر بالطريقة التي يمكننا أن نستخدم فيها الحرارة المنبعثة من هذه الأجهزة الضخمة لإنتاج الكهرباء أيضاً، وحسب ماتس بدأ العمل بنظام التبريد هذا وشبه المجاني منذ شهر ديسمبر/ كانون الأول ،2012 أما بالنسبة للاحتياجات الكهربائية الأخرى التي لا علاقة لها بالتبريد فسيتم الحصول عليها من محطات الرياح والهيدروليكية ما يعني أن نسبة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري ستكون منعدمة تقريباً، من ناحية أخرى سيتم تغذية منجم لوفيدال بالكهرباء عن طريق محطتين مستقلتين بمعنى أنه في حالة توقف إحدى المحطتين ستعمل الأخرى أوتوماتيكياً أما إذا توقفت المحطتان فعندها سيتم اللجوء إلى شبكة من البطاريات الكبيرة التي يمكنها إنتاج الكهرباء في الوقت الذي يتم فيه إصلاح العطب، وفي هذه الحالة فقط يمكن للشركة لوفيدال اللجوء إلى الطاقات الأحفورية (النفط وغيره).

توقف السرفرات شبه مستحيل
ترى الشركات المتخصصة في إدارة مثل هذه المراكز أن أمنها شبه مطلق ولا شيء يمكن أن يوقفها نظرياً، لأن عملية الاستفادة من المراكز وعمليات صيانتها المستمرة ينبغي أن تكون منظمة بشكل يصل فيه الخبراء إلى مرحلة يستحيل فيها حدوث أي عطب فيها سواء كان السبب كارثة طبيعية أو عطباً كهربائياً ما، ومع ذلك فاحتمالات التوقف تبقى ماثلة في كل الأحوال، وعلاوة على كل المصادر الكهربية المتوافرة لتغذية المركز، ثمة شركتان مستقلتان تعمل على تشغيل شبكتين من الألياف البصرية، ويشير الخبراء العاملون في المركز إلى أنه بمجرد الانتهاء من تهيئة الصالات القديمة، فإن المنجم يمكن أن يتخذ شكل قاعدة عسكرية سرية تحوي ممرات وسلسلة من الغرف المعقمة المحمية بأقفال بيومترية تعمل ببصمة العين، أو ببصمات الأصابع، فضلاً عن ذلك ثمة خط حديدي أحادي يعمل أتوماتيكياً يربط الغرف تحت الأرضية بالغرف السطحية كي يتمكن التقنيون المكلفون بصيانة المركز من الوصول إلى أي نقطة ممكنة فيه، خلال بضع ثوان فقط . ومن المتوقع أن يتم تشغيل المركز المعلوماتي لوفيدرال منتصف العام ،2014 لكن الحكومة النرويجية التي تسهم بجزء كبير في تمويل المشروع تفكر في إقامة محطات مماثلة في أماكن أخرى بالنرويج، الأمر الذي يمكن أن يؤخر موعد التشغيل بعض الوقت .
ويمكن القول إن النرويج بسمكها السلمون المشهور ومضائقها البحرية الضيقة والعميقة (فيورد) تطمح لتصبح مرجعاً عالمياً للمعلومات التي ستعمل على حفظها من الضياع في مراكزها الخضراء أو الصديقة للبيئة.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار علمية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في علمية:
الانفلونزا خطيرة على الحامل ومريض القلب