المرأة: من أجل تحرر ومساواة المرأة في شرقنا أيضا

 
 


نبيل عودة
تتواصل في قرننا الحادي والعشرين سيطرة عقليات وقوانين لا يمكن ان نتوقع وجودها في دولة ومجتمع معاصرين ..
ربما نستهجن وجودها حتى في دول محاكم التفتيش من القرون الوسطى.
بعض ما نشر في وسائل الاعلام من الصعب هضمه، ويتعلق بتعامل مع المرأة بصفتها ما دون الانسان ، في ظل اصنام وثنية بات فكرها شبه سائد في شرقنا  وخاصة في عالمنا العربي  بعد " ربيعه" الذي انتكس الى اسوأ مما كان عليه الحال في الأنظمة السابقة .



استمعت قبل مدة الى شريط مسجل لأحد السلفيين يتحدث  عن ثلاثة أصناف من النساء ، كأنه يتحدث عن أصناف الخضار  وكيف يجب ضرب كل صنــــــف ( من النساء طبعا) بشكل مختلف من أشكال الضرب. بعض هذه الاصناف صرخ : " الا يكون بمساعدة زوجها ، تحتاج الى ضرب مبرح يوميا ليستقيم حالها" .
لا انتقد ما يجري في ظل انظمة دينية مغلقة ولكن ما يجري فيما تسمى دول  "علمانية وممانعة للاستعمار ومقاومة للصهيونية" لا يختلف،مثلا قراءة "الدستور " السائد في النظام السوري "العلماني؟" يظهر مسائل بالغة الخطورة، المرأة هي ما دون الرجل، لا يحق لها ان تكون رئيسة لسوريا، الرئاسة للرجال "كاملي العقل والدين" أمثال بشار الاسد وعصابة القتلة التي تحيط به، حتى جواز سفر لا تحصل عليه بدون موافقة أحد رجال العائلة كما كتبت مثقفة سورية اقسمت ان لا تعود الى سوريا في ظل نظام لا يحترم حقوق المرأة.
في مقال مثير للألم للكاتب العراقي خالد القشطيني المحرر في الشرق الأوسط اللندنية، نشره قبل ايام، كتب: "سمعت، والعهدة على الراوي، أن مغتربا راجع موظفة كبيرة بمنزلة وكيل وزارة في العراق، أنجزت له مهمته ثم طلبت منه هذا الرجاء، أن يتزوجها ورقيا بما يمكنها من العودة معه ودخول السويد والإقامة فيها. ومن الأردن سمعت بامرأة تجري كل يوم في طرقات عمان ومقاهيها كمن مسها الجن، تتوسل لأي مغترب تصادفه أن يأخذها معه إلى حيث يقيم في أوروبا. وهنا في لندن التقيت بأكثر من فتاة عربية أنهت دراستها وقررت عدم العودة لوطنها. «أرجوك دبّر لي طريقة تمكني من البقاء هنا». الحقيقة أنني التقيت مؤخرا بعدد من الخريجات اللواتي يعزمن على عدم الرجوع لبلدهن".
هكذا يفقد العالم العربي عقوله الراقية المتعلمة التي تبشر بمستقبل كان حلمنا من الربيع العربي  وما زلنا على ثقة ان الربيع لم يغلق صفحاته بعد.
المجتمع المدني هو نتيجة عملية تطور او "لا تطور" .. المسؤولية هي مسؤولية نظام وأجهزة تربية وتعليم وبرامج تربوية وتثقيفية وقوانين تكفل حقوق الانسان الاولية من رجال ونساء. ان الوهم ان الرجل هو العاقل والمرأة هي بنصف عقل  وجعل ذلك قانونا سائدا ، هذا ببساطة انتحار اجتماعي بطيء،تدمير لكل قيم المجتمع المدني الذي لا تنشا حضارة انسانية بدونه  ومستوى تطور المجتمع المدني  يقرر مستوى الحضارة التي ينجزها او اللا حضارة. إن اضطهاد المرأة يقود المجتمع الى التفكك والى مزيد من التخلف والى استنزاف عقوله ، النسائية والذكورية، بالهجرة الى دول العالم المتحضرة والمتطورة  والتي لا تسمح لمخبول ان يتحدث عن ضرب النساء لتأديبهن من أمثاله.
أخلاقيات "الحقبة النفطية" وارتباطها باكثر فكر ديني متزمت،  أعطت "مشروعية اقتصادية وفكرية" لما يجري، لكنها مشروعية مزورة ومؤقتة وتحمل في داخلها كتل من الانفجارات الاجتماعية والسياسية كان الربيع العربي من نتائجها رغم سيطرة  قوى من الاتجاه المعاكس على السلطة ، لكن الغضب الذي فجر الربيع العربي سيتجدد وربما بعنف أكبر كما هي الحال في سوريا . إن تغطية هذه العقلية بالدين  هو اهانة للدين الذي جاء لتحرير العقول ودفعها للعلم والتقدم الحضاري .
التمييز ضد النساء ليس ظاهرة سعودية أو عربية أو اسلامية  .. انما ظاهرة تاريخية بدأت تتحرر منها البشرية منذ القرن الثامنعشر ، مع ظهور فجر الفلسفة النسوية في كتاب ماري فولستونكرافط "مصداقية حقوق النساء"، والذي كتبته معارضة للفيلسوف التنويري جان جاك روسو ، الذي رغم رؤيته التنويرية الا انه اقترح مدارس نسائية أدنى مستوى من مدارس الذكور.
اذن دونية المرأة كانت ضاربة عميقا في العقل الانساني ..اما القفزة الكبرى، اذا كان مناسبا ان نطلق هذا التعبير ، فكان في كتاب "الجنس الثاني" الفيلسوفة والكاتبة الفرنسية سيمون دي بوفوار حيث اعلنت ان النسوية هي مجرد قميص مجانين يفرضه الرجال على النساء  وأن على النساء ان يتحررن من أجل انتاج صيغة عن ذاتهن: حول ماذا يعني ان تكوني أمرأة؟
الحركة النسوية التي أطلقتها بقوة سيمون دي بوفوار تعلن اليوم انه من الناحية الجنسية كلنا نساء ورجالا نولد متشابهين "مثل اللوح الناعم "، اما تعريف هويتنا فنحصل عليها بوقت متأخر أكثر بعد ولادتنا ، من المجتمع ومن أهلنا .
ان تعليم الادوار للجنسين، الذكور والاناث، صار اليوم   في عالمنا العربي مهمة أكثر تعقيدا من السابق .
عندما نقارن الفكر النسوي وواقع المرأة الاوروبية، مع واقع المرأة الشرقية والعربية بالتحديد، نجد فجوة تتسع باستمرار وكأننا نتحدث عن سكان كوكبين مختلفين، او عالمين لا يجوز اقامة المقارنة بينهما. الاول عالم بشري والثاني عالم يخاف حكامه الالهيين من الانضواء تحت الصيغة البشرية، للاسف نفي الصيغة البشرية ليس عن النساء فقط، انما عن المواطن الرجل أيضا الذي يتعرض منذ صغره لعملية تشويه اخلاقية وجنسية وحقوقية ودينية  وبالتالي نراه يصبح منفذا بلا وعي لفكر دونية المرأة.
هل الادوار المعرفة التقليدية تتعلق فقط بالمبنى الاجتماعي الذي أوجده الرجال ( بصفتهم راس النظام) من أجل الحفاظ على سيطرتهم على النساء شكليا وفي الواقع على الرجال أيضا عبر تشويه اخلاقياتهم الجنسية  ونشر الوهم ان الادوار قررت حسب نظام بيولوجي مصدره السماء؟
هذان السؤالان يشغلان حتى اليوم الكثير من الفلاسفة وعلماء النفس ، وأعرف انه في الغرب أيضا هناك من يصر على أن التركيبة البيولوجية مقررة في الادوار ، أي اصرار واضح على دونية المرأة.
القصد في الفكر الغربي مختلف عما هو سائد في شرقنا العربي وهو انساني بمضمونه، بفهمه ان طبيعة المرأة أكثر انسانية من طبيعة الرجل وهذا يعطيها دورا اجتماعيا وسياسيا مختلفا ولا يمكن ان يستبدل بدور الرجل . مثلا لاعب كرة قدم لو واجه اشكالية بين ان ينقذ طفلا او يمنع تسجيل
هدف في مرمى فريقه يختار منع تسجيل الهدف .. المرأة بنفس الحالة تختار انقاذ الطفل .
ربما هذا ما قصده فرويد عندما قال ان ما يقرر بالادوار هو مبنى الجسم النسوي بقوله ان "الانطوميا هي المصير"( الانطوميا - علم التشريح ) موضحا ان مبنى جسم المرأة يحدد دورها في المجتمع ولكنه لم يشرح فكرته بتوسع .
يجب التمييز بين رؤية فرويد والرؤية القروسطية السائدة في الفكر الشرقي. فرويد لم يشرح قصده ، ولكن من نظرة الى مجتمعه ، نفهم انه كان يقصد ان هناك وظائف ملائمة للمرأة أكثر مما هي ملائمة للرجل والعكس صحيح. ومع كل رفض الحركة النسوية لهذه العقلية التمييزية ، يمكن الوصول الى حقوق انسانية متساوية  ويبقى الخيار من حق المرأة فقط.
انتقد الفيلسوف الاميركي توماس كاتكرت ، نظرية فرويد  بقوله: هل يعني ذلك ان دور الرجال يحدد أيضا بيولوجيا؟ مثلا ، هل مبنى أجسام الرجال يقرر لهم سلفا ان يستعملوا مقاييس بدائية في خيارهم للزوجة؟
وروى الفيلسوف الاميركي  كاتكرت هذه القصة ليشرح بوضوح أكثر موقفه : ظهر الا لادم وحواء في الجنة، وقال لهما انه توجد لديه هديتان ، هدية لكل واحد منهما  وطلب منهما ان يقررا من يحصل على كل هدية، قال الهدية الاولى هي القدرة على التبول بالوقوف. آدم صرخ أولا دون تفكير:التبول وانا واقف  عظيم ، هذا مغري جدا ، انا اريد هذه الهدية. قال له الرب : حسنا هذه لك يا آدم ، اما انت يا حواء فتحصلين على الهدية الثانية، القدرة على الوصول الى المتعة الجنسية مرات كثيرة  .

بيولوجيا من الرابح ؟
ان النتائج الملموسة لنضال الحركات النسوية اجتماعيا وسياسيا وقانونيا كثيرة، ليس فقط في حق التصويت وقوانين العمل التي تعطي المراة شروطا أفضل بحالة الحمل مثلا ، والقوانين التي تتعامل مع الاعتداءات الجنسية وجرائم القتل بحجة الشرف.. انما وهذا الاهم ، جعل المرأة تحمل مسؤولية مجتمعها ليس أقل من الرجل  وصارت قادرة على الوصول لاي منصب في مجتمعها..
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: متى نشهد حركة نسوية عربية  ولا بد ان تكون علمانية ، تحطم أصنام الوثنية الفكرية في العالم العربي ؟

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار المرأة
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في المرأة:
زواج المرأة من رجل يصغرها سنــّا ً... أسبابه ُ ونتائجه ُ