سياسية: التصريحات غير المسؤولة والاوضاع الراهنة

 
 


احمد العاني
 ان الانسان في العراق ليصاب بالحيرة والتعجب على ما وصل اليه حال بعض السياسيين، منهم من يدعو الى انفصال اقليم كردستان ومنهم من يحث الى تشكيل اقليم الانبار على اسس وقواعد طائفية ومنهم من يقترح  تقسيم العراق الى ثلاث دويلات واخرين الى ثلاث اقاليم من دون النظر بموضوعية لعواقب اقتراحاتهم، وكل من هؤلاء ومن على شاكلتهم من نصب نفسه داعية يصرح بدون وازع من ضمير او رادع وطني او اخلاقي، متناسين مقدار مواقعهم على خارطة العمل الوطني وما في الحقيقة الا حفنة من السياسيين من لا وزن لهم ولا مكانة، واخيرا انضم الى جوقة المجانين والمهووسين من اصيب بلوثة عقلية داعيا الى تدخل الدول الاقليمية والدولية وتدويل القضية على خلفية الازمة التي نشبت بين الحكومة والمتظاهرين في عدد من المحافظات ووصولها حالة الاستعصاء، مغلقين كل الابواب الوطنية التي يمكن ان تطرق لحل المشكلات العالقة داخليا من دون تدخل الغير.



ان التفسير الوحيد والمقبول لوصف هؤلاء جميعا هم زمرة من الحمقى والمجانين الذين فقدوا عقولهم ومشاعرهم الوطنية والانسانية وتاهوا في عالم الخيال متصورين انفسهم  قادة وممثلي للشعب وناطقين باسمه كما يدعي الطغاة وان العراق ضيعة لهم ولابائهم يتصرفوا بها كيفما يشاءوا على وفق اهوائهم وامزجتهم وعقولهم المريضة، ومتوهمين ان الشعب سيخرج عن بكرة ابيه يرفع صورهم ويهتف باسمائهم باعتبارهم قادة عظام من صناع تاريخ العراق الحديث ومن بناة نهضته ومستقبله.
 مع القناعة المطلقة بحق كل عراقي بالتعبير عن آرائه وافكاره وتصوراته والتي ضمنها الدستور ما دام لم يقرن اقواله باي افعال او ممارسات تسيء الى أمن البلاد ومواطنيها ولم تخرج دعواه عن الكلام الفارغ الاجوف الفاقد للمنطق والعقلانية فان الرأي المقبول بالتعامل مع امثال هؤلاء ليس اوامر حكومية بالقاء القبض او محاسبتهم بل نقلهم الى مستشفى المجانين ومنحهم الحرية المطلقة بالتعبير عن آرائهم ورؤاهم امام امثالهم من مرضى الامراض العقلية لما يتسببوا به من لغط وارباك في الاجواء السياسية وتجاوزوا الخطوط الحمراء في طروحاتهم، ليستقبلوا التصفيق والدعم والتأييد من نزلاء المستشفى والذين يقينا هناك من هم اكثر عقلانية واتزان منهم. حتى لا نضيع في الدروب الملتوية والمتعرجة والمتاهات ينبغي ان نقف ونحلل الاسباب والدواعي لظهور بعض السياسيين المتطرفين الفاقدي الاتزان والمسؤولية الوطنية وسماح الجماهير لهم بالتعبير عن مقترحات ودعوات تمجها الوطنية ويرفضها العقل  والمنطق السليم ،ونتعامل مع الاسباب  بمنطق الحريص على وحدة العراق وتجنيب شعبه المزيد من المآسي والآلام، ونضع نهاية لحالة الفوضى والاضطراب التي تسود الشارع العراقي وانهاء حالة الخوف والهواجس الذي تنتابه من قادم الايام وما تحمله من مفاجآت غير متوقعة، ونبتعد قدر الامكان عن لغة التصعيد والاثارة والتهديد ونتعامل مع ما يطرح على ساحة التظاهر من شعارات ومطالب بهدوء واتزان ومغادرة سياسة التشنج والعصبية، وعدم العمل بردات الفعل والعزوف عن اطلاق الاتهامات دون دليل مادي ملموس.
ان ما بلغته الحالة المتأزمة الحالية هو نتاج التظاهرات والاحتجاجات التي خرجت في  بعض المحافظات للمطالبة بحقوق مشروعة وعادلة اجمعت كل الاطراف على احقيتها  وضرورة التعامل الايجابي معها ،وشكلت الحكومة لجنة من بعض الوزراء للاصغاء الى مطالب المتظاهرين والاستجابة للتي تستمد مشروعيتها من الدستور والقوانين، والغاء الغبن والاجحاف الذي مورس تجاه شرائح من المجتمع بشكل غير قانوني ومشروع على وقع الممارسات الاجرامية التي طالت الابرياء من العراقيين وعجز الاجهزة الامنية الوصول الى الايدي المنفذة الفعلية.
ان تدخل بعض السياسيين على خط الازمة بين معارض ومؤيد والتصريحات غير المسؤولة للبعض منهم قد اجج الحالة وفاقمها ، وابراز بعض وسائل الاعلام للحالات السلبية والتركيز عليها واهمال الجوانب الايجابية قد اسهم هو الاخر في توفير الاجواء وتأزيمها، ويتحمل هذان الطرفان المسؤولية الاكبر لما آلت اليه الحالة الراهنة التي بدأت تتفاعل وقد تؤول الى نتائج كارثية غير مسبوقة، ما يستدعي من السياسيين التخلي عن محاولات توظيف ما يحدث لاغراض انتخابية شخصية او فئوية  او طائفية والتفكير بمصلحة البلاد وما يتهددها من اخطار محتملة مالم تعالج الازمات والمشكلات التي تعصف بالبلاد.
ان توافر النيات الصادقة ومد جسور الثقة بين المتظاهرين والحكومة كفيل بالخروج بنتائج مرضية لجميع الاطراف وسحب البساط من تحت اقدام جميع من يحاول الاصطياد في الماء العكر واستثمار حالة القلق والاضطراب التي تجتاح المتظاهرين لرفع  الاصوات النشاز والدعوة الى تدويل الازمة بعد ان وصلت الجماهير لحالة الاحباط والقنوط من حلول ومعالجات عاجلة ومقبولة.
لقد قامت الحكومة بخطوات بطيئة للتعاطي مع مطالب المتظاهرين لا تتناسب مع حجمها الكبير بالرهان على الزمن ما عقد الموقف وحال دون انهاء ملفها بالوقت المناسب ،ما يستلزم ان ترسل الحكومة رسائل مطمئنة و اكثر فعالية للمتظاهرين وتسرع بالخطوات الواجب اتخاذها حيال الطلبات التي اقر بشرعيتها ،وايقاف موجة الاعتقالات في صفوف المتظاهرين لما تبعثه من رسائل استفزازية ترفع من درجة التوتر والقلق وتؤشر عدم جديتها بغلق ملف الاعتقالات العشوائية وهي نوع من التصعيد غير المبرر والتي هي خارج سياق القانون، لما تسهم به من عوامل معرقلة لتهيئة الاجواء لحوار فاعل ومثمر لكسر حالة الجمود والركود التي تنتاب العلاقات بين الطرفين، وخمد واسكات الاصوات الداعية لتدخلات خارجية وسد كل الثغرات بوجه القوى الخارجية الرامية استغلال اجواء الخلافات الطارئة للعبث بامن البلاد وشعبها.
كما ان تفعيل حركة التعامل مع المطالب المشروعة والاستجابة لها سوف يدفع الى كبح جماح محاولات العناصر المندسة من ان تستثمر حالة استمرار تعنت الحكومة من التعامل مع مطالب المتظاهرين بالقدر المطلوب، ويساعدعلى بروز قيادات جديدة اكثر حكمة وعقلانية ودراية بابعاد ما تستبطن هذه القوى التي تصدت لقيادة التظاهرات وتزعمها وركب موجاتها وتبيان حقيقة الدوافع التي تحركها، كما ان الحكومة ينبغي لها ان تتعامل مع الحقائق كما هي اذ ان  سياسة الاقصاء والتهميش والابعاد لشرائح اجتماعية او سياسية ليس هي بالسياسة الحكيمة والصحيحة لان الوطن لجميع ابنائه وليس حكرا لقومية او دين او طائفة والجميع يتعين ان ينالوا استحقاقاتهم في المشاركة في قيادة كل مرافق الدولة على حسب الكفاءة والنزاهة والمقدرة بدون مفاضلة او تمييز والمشاركة في صنع القرارات ومراقبة تنفيذها ويقتضي الاخذ  بقيم العدالة والمساواة بين المواطنين حتى لا يتحول غيابهما الى قنابل قد تفجر النسيج الاجتماعي وتبعثره وبما يجعل لملمته واعادة نسجه ذا اثمان باهضة وزمن طويل، وعلى الجميع مغادرة سياسة الثأر والانتقام والكراهية وسيادة روح التسامح والمحبة لعودة الوئام والانسجام والاخاء بين مكونات الشعب بما يسمح بتنشيط علاقات التعاون والثقة المتبادلة لتقصير زمن عبور الازمات السياسية الراهنة وارساء ركائز اعادة بناء حاضر البلاد ومستقبلها بعد ما طالها من تدمير وتخريب.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار سياسية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في سياسية:
الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها