علمية: دراستها تسهم في فهمه وعلاج أمراضه .. حيوانات تجارب تكشف أسرار مخ الإنسان

 
 


لم تعد الفئران اليوم الحيوانات الوحيدة التي تستأثر باهتمام العلماء لتكون حقل تجارب في المختبرات العلمية، بل غدت الأسماك واللافقاريات على اختلاف أنواعها حيوانات تجارب تسهم من خلال خلاياها العصبية في خدمة العلم، ولا سيما في مجال الأبحاث التي تخص الدماغ البشري .ويقول  الباحث جون بيير تيرنو المشارك في تأليف كتاب "أدمغة الحيوانات" مع الباحث فرانسوا كلارك مدير الأبحاث العلمية في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي: نحن مدينون لحيوانات بعيدة جداً عنا كبشر بخصوص معارفنا المتعلقة بالدماغ البشري، بل ربما لا نكترث مطلقاً لحيوانات دقيقة مثل ديدان الأرض الصغيرة" .



يضيف  الباحثان تيرنو وكلارك: لسنا بحاجة إلى حيوانات كبيرة الأدمغة لتكون حيوانات تجارب، فعالم التحليل النفسي سيجموند فرويد اهتم بدماغ سرطان النهر (نوع من الأسماك) عندما أراد دراسة الدماغ البشري وذلك لأن دماغه مثل كل أدمغة الكائنات الحية في الطبيعة، مكون من خلايا عصبية مغطاة، إما بمجسات أوقشور أوريش، كما أن كل الكائنات حيوانات وبشر) تتشارك في نفس العمليات الخلوية . ويرى الباحثان  أنه على الرغم  من تباعد  أسلاف كل من الإنسان والذبابة مثلاً قبل 500 مليون سنة، إلا أنهما يحتفظان بخلايا عصبية متشابهة شكلاً ولهما نفس النواقل العصبية، ولذبابة الفاكهة ميزة  أخرى وهي أن 61 % من الجينات التي تتسبب في إحداث أمراض عند الإنسان، توجد عندها أيضاً، من هذا المنطلق نجد أن دماغها الصغير الذي لا يتجاوز حجمه  المليمتر المكعب الواحد يستخدم لدراسة أمراض خطيرة عند الإنسان مثل الزهايمر والإدمان بشتى أنواعه واضطرابات النوم . ولذا يرى الباحثون أنه ينبغي دراسة كل الكائنات الحية مهما صغر حجمها وتطورها الحيوي من أجل فهم وظائف عمل دماغ متطور جداً مثل دماغ الإنسان، وكمثال على ذلك  الحيوان البحري الحبار، فمن خلال دراسة طريقة لسعة مجساته وإفرازها للمواد الكيماوية، استطاع الباحثون اكتشاف آلية السيال العصبي في الخلايا العصبية في العام 1930 . ولقد كان هذا الاكتشاف بمثابة القاعدة لأنه يطبق على كل المملكة الحيوانية من ناحية والإنسان من ناحية أخرى، ولكن لماذا يتخلى الباحثون عن الفئران المعروفة أنها حيوانات تجارب بامتياز ويسعون وراء حيوانات بعيدة كل البعد عن الإنسان؟ الأمر بسيط، فهذه الحيوانات هي أكثر سهولة من ناحية الدراسة والتربية، فالحبار مثلا يمتلك خلايا عصبية عملاقة (أكبر من الخلايا العصبية  للإنسان بأربعين مرة) في حين أن الذباب يترك 400 بيضة عند كل عملية فقس، ويتكوم بالعشرات في كأس صغيرة مع غذاء لا يزيد على قطعة سكر، وهو ما يعتبر حلماً للعلماء .

الذبابة الثملة
يقول الباحث أولريك هيبرلين أستاذ علم التشريح والأعصاب في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو إن سلوك ذبابة الفاكهة  إزاء الكحول ( الخمر) مشابه جدا لسلوك الشخص المدمن ولذا قررت أن أكرس أبحاثي لدراسة هذه الحشرة لمعرفة تأثير الكحول عليها، ويضيف هيبرلين أنه وجد أن تأثر هذه الحشرة  بالكحول، يعتمد على جيناتها فعندما بحث في مادتها الوراثية (دي إن إيه ) اكتشف عدة جينات تجعلها مهيأة للتأثر بالكحول والوقوع ثملة عند شربها أواستنشاقها لغاز الإيثانول الموجود في الخمر .ويقول الباحث: وجدنا اثنين من هذه الجينات يلعبان دوراً في إدمان الإنسان الخمر، وأعتقد أن ذبابة الفاكهة يمكن أن تسهم في تفسير ميل بعض الأشخاص للكحول، فضلاً عن ذلك يمكن للذباب أن يساعدنا على فهم متلازمة الكحول الجنينية وتلف الأعصاب الناتج عن تناول الخمر وأمراض عديدة أخرى تصيب الإنسان، لا سيما الدماغ .

الدودة وانفصام الشخصية
من جهته يرى الباحث كريستان نيري مدير فريق علم بيولوجية وأمراض الأعصاب في معهد الإينسيرم في فرنسا أن دودة مثل الربداء الرشيقة (Caenorhabditis elegans) وهي أحد أنواع الديدان الأسطوانية الشفافة التي يبلغ طولها نحو 1 ملم وتعيش في بيئة التربة الرطبة،  يمكنها أن تستخدم في الأبحاث المتعلقة  بالدماغ  مثل أمراض التلف الدماغي (الزهايمر وباركنسون أو هانتنجتون )  التي تولد اضطرابات حركية وذهنية عند الإنسان . وينظر الباحثون إلى هذه الدودة بمثابة الحيوان النموذجي لأنهم  يستطيعون فعل ما يريدونه من أبحاث عليها دون أن يكون لها أي رد فعل، فهم ينشطون أو يكبحون عمل أحد جيناتها ال 302 واحداً تلو الآخر وينقلون إليها الجين المسؤول عن مرض هانتنجتون مثلاً  ليروا ردة  فعلها واكتشاف الآلية التي تمنعها من التأثر بهذا الجين أو تقاومه، وبالتالي يمكن للباحثين إنتاج عقار يمكنه  إبطاء تطور هذا المرض عند الإنسان، ومن الاكتشافات المهمة التي وصل إليها الباحثون في جامعة هارفارد التشابه الكبير بين الخلايا العصبية لهذه الدودة وتلك الموجودة عند الإنسان، ولذا درس هؤلاء حالة الهلوسة الحسية التي تصيب الأشخاص المصابين بانفصام الشخصية، حيث وجدوا أن عملية استقبال وإرسال المعلومات الحسية عبر الخلايا العصبية تكون مختلة عند هؤلاء الأشخاص، وهو ما يولد لديهم ما يسمى بالهلوسة الحسية، ويرى الباحثون أن الدودة الربداء الرشيقة يمكنها أن تساعدهم على إيجاد حل لهذا المرض عن طريق إتلاف الآلِيَّة الارْتِجاعِيَّة التي تتميز بها ثم العمل على إصلاحها بوسيلة ما .
أرنب البحر وذاكرة حديدية في العام 2000 نال الباحث إيريك كانديل جائزة نوبل جراء أبحاث أجراها على أعصاب أرنب البحر أوسبيكة البحر (حيوان رخوي يبلغ وزنه 3 كيلوغرامات)  ويمتلك هذا الحيوان أكبر خلايا عصبية في المملكة الحيوانية (أكبر من خلايا الإنسان من 10 -100 مرة) ولذا فهي ترى بالعين المجردة،  ويمكن للباحثين عمل ما يريدونه بها.وعلى الرغم من أنها أقل عددا من خلايا الإنسان العصبية إلا أنها قادرة على تخزين وحفظ المعلومات بشكل مثير جداً . وكان الباحث كانديل اكتشف أن أرنب البحر لديه ردود فعل سريعة بمجرد لمسه  بأي شيء  حيث يتقلص حجمه كثيراً . وقد أجرى كانديل  تجاربه على هذا الحيوان طوال 30 عاماً  ووجد أنه يحفظ المعلومة ويعتاد عليها بل ويستبق الحدث . وفهم الباحث بفضل هذا الحيوان  أن كل شيء يحدث على مستوى الروابط العصبية بين الخلايا بمعنى أنه كلما خزنت أدمغتنا معلومات كلما ظهرت روابط جديدة وتعززت روابط قديمة، ومن هنا وضع كانديل قواعد علم الأعصاب الحديث . من جهته يشير الباحث واين سوسان من معهد  مونتريال لعلم بيولوجية الأعصاب إلى أنه بمجرد أن نفهم  آلية عمل هذه الأعصاب يمكننا العمل على تعزيز فاعليتها، وأدائها وبالتالي تحسين الذاكرة، وفهم السبب الذي يجعل من الصعب  تخزين ذكريات جديدة  كما كان الحال خلال فترة الشباب .

السمك النوام
يعرف عن (التغفيق) وهو مرض يتميز بهجمات من النوم لا يمكن للشخص التحكم فيها، إنه يصيب واحداً من كل 2000 شخص، لكن هذا المرض يصيب بعض الحيوانات مثل السمك المخطط النوام، وكان الباحث فيليب موران درس اضطرابات النوم عند الإنسان من خلال هذا السمك، لأنها كائنات تنام مثل الإنسان تماماً حيث تقبع ساكنة في قاع الأكواريوم وتنام عشر ساعات متواصلة، ولاحظ الباحث أن دماغ السمك المخطط النوام يمتلك خلايا عصبية تحوي مادة الهيبوكريتين وهي بروتين يتسبب في مرض التغفيق عند الثدييات اللهم إلا أن هذه الأسماك تمتلك 20 خلية منها مقابل كمية تتراوح ما بين 30-80 ألف خلية عند الإنسان، وبفضل هذه الأسماك الشفافة استطاع الباحث موران أن يكتشف أن الخلايا العصبية التي تحوي مادة الهيبوكريتين، يمكنها أن تؤثر في إنتاج مادة الميلاتونين (هرمون النوم)  الأمر الذي يمكن أن يسهم في إيجاد علاج لاضطرابات النوم عند الإنسان، ويقول الباحث إن عدد النواقل العصبية يزداد خلال النهار عند التعلم لينقص ليلاً عند النوم، ما يعني أن النوم يمكن الدماغ من أخذ قسط  من الراحة كي يستعيد نشاطه بإنتاج نواقل عصبية جديدة خلال اليوم التالي.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار علمية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في علمية:
الانفلونزا خطيرة على الحامل ومريض القلب