سياسية: في ظل غياب برامج إصلاحية.. خطر الطائفية يعود من جديد

 
 


 الدكتور نصيف الجبوري
عندما كنت في بيت احد الاصدقاء في كربلاء قبل عدة ايام شاهدت على احد ى الفضائيات برنامج شهادة للتاريخ وكان ضيف الحلقة الامين العام للحركة الاشتراكية العربية في العراق الاستاذ عبد الاله النصراوي. لعل اهم ما اثار انتباهي واهتمامي لحديثه الطويل صراحته وشجاعته في سرد الاحداث التاريخية لمرحلة اواخر الخمسينيات وبداية الستينيات للقرن الماضي. فقد كنا شهود تلك المرحلة بأفراحها وأتراحها وأعادنا لمرحلة كان التعصب الاديولوجي هو السمة البارزة للتيارات السياسية كالقوميين والشيوعيين والوطنيين والليبراليين. لقد تطرق لمعلومات مهمة سمعناها لأول مرة.



 اود هنا ان اسجل اعجابي بأسلوبه النقدي الذي لم نعهده من بقية السياسيين حيث شاهدنا وسمعنا وقرئنا مذكرات العديد منهم, لكنها المرة الاولى التي نسمع فيها من قيادي كان يتبوأ أعلى مركز سياسي لحركة القوميين العرب ينتقد نفسه والحركة التي كان يقودها من دون تردد عندما يقول لمقدم البرنامج كنا خاطئين في تقييماتنا لتلك المرحلة. لم يحاول كغيره ان يبرر موقف حركته مع ان هناك الكثير من المعطيات التي تمكنه من تبرير ردود فعل حركة القوميين العرب انذاك ضد من ظلمهم. علما بان هذا الفصيل السياسي لم يستلم حكما في يوم من الايام من تأسيس الدولة العراقية حتى الان.
هذا الحديث النقدي الصريح فتح الباب اليوم على مصراعيه لغيره من السياسيين من الرعيل الاول ان يحذو حذوه ويصارحوا الجمهور ليوضحوا خطهم السياسي لهذه المرحلة. لقد عرف الشعب العراقي الان الخط الاديولوجي لعموم التيار القومي العربي بعد ان استوعب دروس التاريخ وبات حاليا يتبنى نهجا ديمقراطيا انسانيا منفتحا لا يتعارض مع القوميات الاخرى كالكردية والتركمانية ولا يضع نفسه بديلا عنهما. انما على العكس يتكامل ويتعاون معهما ضمن بوتقة الوطن الواحد ويدعو لتأسيس دولة مدنية لا تفرق بين مواطنيها بسبب الدين والقومية والطائفة والعشيرة والمنطقة.
من حق الشعب العراقي ان يطالب سياسي الرعيل الاول من القدامى والجدد ان يوضحوا مشروعهم السياسي لبناء العراق المستقبلي من جميع النواحي. أما الاحزاب والتنظيمات التي تخشى الكشف عن ماضيها وتستحي منه لا يمكن ان تبني وطناً حراً ديمقراطياً لان الماضي كما هو معروف يعبر عن الصورة الخلفية والعمق التاريخي لاي تنظيم. كما ان العراقيين لا يمكن ان ينسوا تلك الاحداث وهي عالقة في اذهانهم والتي سبق ان سجلها التاريخ ولا يمكن لأحد الغائها او تجاوزها. أن الكمال لله ولا بد لقادة التجارب السياسية الوضعية ان يمتلكوا الشجاعة من انتقاد تجربتهم كي يطوروها تماشيا مع البعدين الزماني والمكاني ويضعوا استراتيجية واضحة لحزبهم او تنظيمهم السياسي. عندها سيحكم الشعب ما اذا كان هذا التنظيم او ذاك قد اصبح راشدا ويؤمن بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وبناء الدولة المدنية. ام لا يزال يسير وفق منهج استأصالي ويعتقد بأنه الوحيد الذي يمتلك الحق ويسوق الجماهير كالرعاع وينادي بدولة دينية او دولة تضمر العداء لحضارة العراق الاسلامية. لابد ان يتعرف الشعب على موقف تلك الاحزاب والتنظيمات من تلك الاستحقاقات المهمة وعلى اتجاه المسار الاديولوجي الذي تسير عليه وذلك قبل الدورة الانتخابية القادمة. ان وضوح الروئيا المستقبلية هي الحل الوحيد الذي يوفر للناس الامن والأمان وبدونهما لا يمكن توفير اية خدمات جدية للعراقيين. ان تجربة السنوات العشر المنصرمة خير دليل لان ساسة العراق الجدد لا يملكون افقا واضحا للمستقبل وبالتالي لن يستطيعوا ان يبنوا بلدا حديثا مستقرا.
الكرة الان في ملعب قيادات الحركات القومية الاخرى عربية وكردية وتركمانية ومجموع الحركات الاسلامية بكل قومياتها والتنظيمات والأحزاب الليبرالية واليسارية بكل اتجاهاتها كي تصارح الشعب وتبين أسترايجيتها على المدى المتوسط والبعيد دون مواربة أو مماطلة خصوصا موقفها من الاحتلال والدستور وهوية العراق ومدنية الدولة ومبدأ المكونات سنة شيعة اكراد. فما احوجنا اذن ان نستجوب رئيس حزب الدعوة ورئيس التيار الصدري ورئيس المجلس الاسلامي ورئيس الحزب الاسلامي ورؤساء الاحزاب اليسارية والليبرالية اضافة الى استجواب زعماء الاحزاب الكردية والتركمانية امام الشعب على الشاشة الصغيرة للتعرف على خططهم المستقبلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لكيفية بناء الوطن.
لقد ذكرتني المقابلة السالفة الذكر تلك الحقبة عندما كانت ماكنة الانقلابات والانقلابات المضادة تسحق وتلعن ما قبلها. والشعارات الاستهلاكية التعجيزية المبالغ فيها كالوحدة الفورية او الاتحاد الفيدرالي والتي كانت تخفي وراءها احيانا اجندات دولية وإقليمية. كان السياسيون وأنصارهم ادواة لتلك الماكنة ولم يكن الشأن الوطني العراقي من اولويات اهتماماتهم انذاك. وبالنتيجة فقد دفع السياسيون وأنصارهم من عسكريين ومدنيين ثمنا باهظا في تلك الحقبة لكن عموم العراقيين غير المسيسين نجوا بجلودهم من ذلك الصراع الدموي العقيم. أما اليوم فأن ماكنة الطائفية البغيضة تجند معها الالاف المؤلفة من بعض رجال الدين وأنصاف المثقفين والمؤدلجين مذهبيا وجيوش مجيشة من الجهلة تحت حجة الدفاع عن هذا المذهب او ذاك وليس بحجج الدفاع عن الوطن. تنذر هذه التوجهات بعواقب وخيمة قد تكون أسوء بكثير من تلك المرحلة التي تحدتنا عنها توا لا سامح الله. ان المراقب للأحداث يمكنه ان يرصد الاحوال العامة للبلاد ليرى بأنها تسير باتجاه تعميق الاصطفاف الطائفي. فان لم يتدخل اصحاب الشأن فورا فان السنيين العجاف ستعود الى العراق من جديد وقد تكون اسوء من فترة 2006 حتى 2008. علما بأن الفتنة اذا ما اشتعلت لا يمكن لأحد اطفائها كما يشاء. كما ان الجميع يعلم بأنه سوف لن يكون هناك منتصر من اي من الطائفتين وحينها سيندم الكل في وقت لا يفيد الندم شيئا. ولنتذكر قوله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة. لقد تنفس العراقيون الصعداء عام 2008 بعد حرب صماء عمياء لا معنى لها ظن البعض انها باتت خلفنا وكان من المفترض ان نأخذ منها درسا قويا. فالحذر الحذر وليعلم العراقيون بأن السياسيين الطائفيين يريدون ان يكرروا العزف على وتر الطائفية ليس انتصاراً لهذا المذهب او ذاك انما يريدون تحقيق مصالحهم الانية الانانية السلطوية المادية. ان اجواء الشحن الطائفي في عراق المكونات قد خلط الامور بعضها ببعض فلا يكاد المرء يفرق بين الديني والإسلامي والمذهبي وبين الوطني والديمقراطي والقومي. فقد اختلط الحابل بالنابل وارتضي بعض السياسيين ان يكونوا تلاميذ مطيعين للاحتلال يفرض عليهم ما يشاء فمرة يقول لهم بأن العراق بلد مكونات فأطاعوه من دون مناقشة.
 لم يكن لأي احد منهم الجرأة على محاججة المحتل بالقول كيف يمكن ان تفرض علينا ما تستنكره وترفضه في بلادك. ومرة اخرى يقول لهم بأن العراق بات حرا وليس له مع العرب أية وشيجة. لكن الغريب بالأمر ان القوم ايضا اطاعوه من دون ان يقدموا البديل. فلا الاحتلال ضم البلد اليه ليكون الولاية الحادية والخمسين للولايات المتحدة الأميركية بعد ان سلخه من محيطه.
ولا احتفظ بهويته العربية شأنه شأن البلدان الاخرى في مشارق الارض ومغاربها. وهكذا اضحى العراق البلد الوحيد في العالم بلا هوية. حتى ان مفهوم الاغلبية والأقلية المعروف في دول العالم الديمقراطية حيث التنافس السياسي بين الاحزاب المدنية التي تشكل اغلبية او اقلية وفق اختيار الشعب لبرامج تلك الاحزاب السياسية والاقتصادية. بات هذا المفهوم في العراق ليس له نظير في العالم اجمع فهو يعتمد على المكونات اغلبية شيعية اقلية سنية اغلبية كردية اقلية تركمانية. تمكن جيش الاحتلال من تلقين انصاره لتطبيق هذه المفردات على الشعب العراقي في حين يجرم قانونيا ويحاسب حسابا عسيرا من يدعوا الى الدين السياسي في أميركا وغيرها.
اليوم حيث تتلبد سماء العراق وأرضه بغيوم ودعوات الطائفية المقيتة علينا جميعا ان ندلوا بدلونا فعلى العالم والمجتهد والفقيه والسياسي والمثقف في هذا الوقت بالذات ان يخرج علمه قبل وقوع الفتنة فأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هؤلاء الصامتين عن قول الحق والخائفين من الأمر بالمعروف والنهي عن الوقوع في فخ الحرب الطائفية ان عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. لذا فأنني أوجه نداءً الى سماحة اية الله العظمى السيد السيستاني وبقية المراجع الكرام والسيد مقتدى الصدر والسيد عمار الحكيم والسيد نوري المالكي والشيخ السعدي والشيخ الرفاعي والشيخ الضاري وكل وعاظ الشيعة والسنة ان يبادروا لنزع فتيل الاحتقان الطائفي ويتبرأوا ممن يسب ويلعن الصحابة ويحرموا هذا الامر صراحة قبل فوات الاوان. وان يحرموا تكفير الشيعة للسنة والسنة للشيعة وان لا يحشروا المذاهب في الصراعات السياسية بين الكتل الحاكمة. ان الله امرنا ان لا نسب الكافرين وان حرمة المسلم خير من حرمة الكعبة وان الله احل المحرمات كالخنزير والخمر والميتة للحفاظ على النفس البشرية من الهلاك. فأي مذهب يسمح بقتل الاخر لأنه يخالفه بالعقيدة والرأي يعد بالتأكيد مذهب منحرف لا يمت للإسلام والمسلمين في شيء. فأن الله قد امرنا ان نحترم الجميع بما فيهم الكفار والمشركين فيقول تعالى ((قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد.......... لكم دينكم ولي دين)).

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار سياسية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في سياسية:
الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها