سياسية: أهمية المراجعة للخطط والبرامج في العمل السياسي

 
 


أحمد العاني
لا يستطيع احد ان يكابر وينفي حقيقة ان العراق على اعتاب مرحلة يكتنفها الغموض وتثير المخاوف بعد ان بلغت المناكفات والاحتدامات بين القوى والكتل السياسية المتسيدة للمشهد السياسي اوجها ،ودخلت علاقاتها دهاليز مظلمة ضاعت مخارجها مما عرض العملية السياسية لاحتمالات الفشل وما استتبع ذلك من ارباك واختلالات في الاوضاع الامنية وسيادة الاجواء السياسية الفوضى والاضطراب،ما انعكس سلبا على العلاقات الاجتماعية وعرضها لحالة الضعف والوهن وعدم القدرة على تحمل الهزات والارتجاجات التي تتعرض لها على الدوام ،وبالامكان تلمس مردودات هذا بما يسود الشارع الشعبي الآن من حالات خوف وتوتر وترقب مما تخبئه الايام . فشل القوى السياسية القابضة على السلطة في صناعة رؤى وتصورات مشتركة في كيفية معالجة مجمل القضايا الخلافية التي تنتاب الاوضاع السياسية والاجتماعية والامنية عزز حالة التباعد والافتراق بينها واسس لواقع تتحكم بمفاصله عوامل صناعة الازمات والمشكلات الدائمة وايصالها لحالة العجز من ابتداع الطرق والآليات المساعدة في تفكيكها واحتواء تداعياتها ، وغيب مفهوم المراجعة المستمرة للبرامج والمناهج التي اتبعت في ادارة الحكم واقصاء دواعي واسباب اخفاقها في التصدي لما يعتري الواقع من معضلات وتعقيدات والتقصير في ازالتها عن الطريق .



ان الطرق والاساليب التي اخذ بها لحد الآن ثبت باليقين عقمها واخفاقها في تعطيل القوى المعيقة لحركة التقدم والتطور ،واصبح من الامور المطلوبة والضرورية الاخذ بطرق واساليب جديدة لما اعتمد لحد الآن واجراء مراجعة نقدية للمناهج والبرامج والسياسات التي ثبت قطعا فشلها في عبور ما يعاني منه العراق وما يتعرض له من مطبات تحول بينه والسير على سكة الصمود والعلو في كل مجالات  الحياة.
عادة ما تكون الازمات والمشكلات المستديمة وليدة و قرينة اي نظام سياسي تتنازع قياداته الخلافات والمواجهات وغياب القاسم المشترك في اسلوب التعامل مع ارث نظام استبدادي وشمولي حفر بصماته على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،واقصاء وحدة الموقف والانسجام ازاء معالجة مخلفات هذا النظام وارساء اسس وقواعد لنظام سياسي جديد على انقاض نظام سياسي رسخ ثقافته ومفاهيمه لزمن طويل ،يضاف الى هذا افتقار الحكام الجدد الى عمق التجربة وضعف او انعدام الممارسة واختلاف مرجعياتهم السياسية والاجتماعية والاثنية والطائفية ،غابت عن اذهانهم عمدا الهوية الوطنية وطفت على تصرفاتهم وسياساتهم ثقافة الانا وما تعنيه من لملمة الانصار والمؤيدين والداعمين للاستقواء بهم ايام المحن والشدائد،ما حرم البلاد من طاقات وقدرات لم تشأ ان تكون جزءا من تخندقات طائفية او اثنية او عرقية .
ان تغييب مبدأ المواطنة قد حرم العراق من الكوادر العلمية والادارية والفنية  لغياب العدالة والمساواة في التعامل مع المواطنين والاعتماد على
 عناصر تفتقر الى الخبرة والدراية والمقدرة خلا انتسابها لهذا الطرف او ذاك من المشاركين في قيادة العملية السياسية والذين دخلوا صراعات حادة وقوية للاستئثار بالحصة الاكبر من الامتيازات والغنائم والمنافع على حساب استحقاقات الاخرين وبما يكافئ مكانتهم ومواقعهم على السلم الاجتماعي ما استولد حالة من دخول الجميع  حلبة صراع المصالح والحقوق  .
كثيرة هي المشكلات والازمات التي واجهت العراق لزمن ما بعيد التغيير،ولعل من اخطرها هي الطائفية السياسية التي اصبحت تهدد الكيان الاجتماعي بالتصدع والتهديم ،ورغم ما يدعيه السياسيون الذين تصدوا لقيادة العملية السياسية من مقتهم وتنكرهم للطائفية السياسية ،لكنهم في حقيقة امرهم هم ادوات صنعها والمحافظين على ديمومتها لما توفره لهم من دعم سياسي واصوات انتخابية تبقيهم في واجهة الاحداث السياسية وقيادتها وما تستجلبه لهم من مراكز ومواقع متقدمة في اجهزة الحكم ،كما ان احزابهم وقواهم السياسية لا تمثل الا طيفا اجتماعيا واحد اعتمد في تشكيله وقيادته على اسس الطائفية والدفاع عنها ،وان دعواهم بمعاداة الطائفية السياسية لا يعدو نفاقا سياسيا غير امين في حقيقة دعواه يراد منه خداع الجماهير وتضليلها بعد ان بدأت الجماهير تعي حقيقة ما تجلبه الطائفية السياسية من مصائب ومصاعب على واقع حياتها الحالية والمستقبلية. ليس هناك من خيار الا مراجعة كل البرامج والمناهج التي اعتمدت لما بعد التغيير وتحديد اسباب ومبررات فشلها في انجاز المهام الموكلة لها والتي اريد ان تكون ادوات لتغيير الواقع وتجديد وتحديث بنيته المهترئة والتي غدت لا تتواءم مع الواقع الذي يتطلع شعب العراق رؤيته ،ومراجعة النظام السياسي الذي قاد البلاد للمرحلة المنصرمة المتمثل في نظام المحاصصة الذي يتحمل وزر كل الاخطاء والمصائب التي حلت بالعراق وارسى اسس وقواعد تقسيم العراق الى ثلاث مكونات رئيسة شكلت قواعد الحكم والذي عجزت القوى السياسية من ترجمته على الارض على وفق معاييره ومفاهيمه  ،و حرم العراق من بناء مشروع وطني عابر للطائفية والاثنية واصبح قنابل تتفجر بين الحين والاخر على طريق اي تغيير حقيقي لاوضاع البلاد الراهنة يتوخى تحريرها من ربقة  التاخر والتخلف الذي تعاني منه .
ان اي مسيرة عمل مهما كانت منتقاة في برامجها ومناهجها لابد من ان تعتريها بعض الاخطاء غير المقصودة او الاهمال او التقصير او ضعف الخبرة والدراية والاداء لمن يتولى نقلها الى ارض الواقع او عجز الحلول والمعالجات المقترحة للتعاطي مع الازمات والمشكلات الطارئة او الارتقاء لمستوى احتياجات المرحلة ،ما يستلزم تصحيحها بالمراجعة المستمرة للبرامج والمناهج المعتمدة للحيلولة دون تراكم اخطائها وتحولها الى مطبات وعثرات كاداء يصعب تجاوزها بقصير الزمن وبالكلف الاعتيادية .
من تابع عمل الحكومات المتعاقبة التي تعاملت مع المشكلات والازمات التي صادفتها يجد ان الفشل والاخفاق كان حليفها لعجزها عن القيام بمراجعات للاعمال والمهام التي نهضت بها والتحري عن مديات النجاح التي صاحبتها ودرجاته واجراء تقييم للقضايا التي لم يكتب لها النجاح واسباب ذلك وسبل تخطيها ،والحكومات التي ترفض مبدأ المراجعة لمسار اعمالها السابقة يعني انها ارتضت الفشل الذي رافق اعمالها ومشاريعها لان هذا قد يخدم مصالحها غير المشروعة.
مع كل الفشل والاخفاق الذي صاحب عمل الحكومات المتعاقبة لما بعيد التغيير في انجاز المسؤوليات والمهام التي انيطت بها ،لم نلحظ هنالك تشخيصا حقيقيا لاسباب الفشل او وقفة حقيقية وجادة لتحليل واستقراء الواقع السياسي الذي آل اليه، وتحديد العوامل التي اعاقت ترجمة البرامج الحكومية واستيلاد المشكلات والازمات على الدوام وعجز القيادات السياسية التي اوكلت اليها قيادة العملية السياسية من احتوائها وتعطيل تاثيرها على واقع البلاد في المجالات كافة. يتطلع العراقيون لتغيير حقيقي في مجمل اوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية ولا يتم هذا مالم تتم مراجعة واقعية لما تم الاخذ به بهذا الخصوص للحقبة الزمنية الماضية وتصحيح الاخطاء واقتراح المخططات والبرامج البديلة التي تتولى تغييرعملي فيها.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار سياسية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في سياسية:
الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها