سياسية: السياسيون والأحداث الجارية على الساحة السياسية

 
 


 أحمد العاني
كثيرة هي المواقف والسياسات التي تعد معيارا لاختبار قدرة وكفاءة السياسيين على التعامل مع الاحداث الجارية على الساحة السياسية ،اذ بمقدار محاصرة و تحجيم المشكلات والازمات واحتواء اسبابها ومبررات حدوثها وابطال تاثيرها على الوضع العام للبلاد يتحدد مدى شرعيتهم للنهوض بالعمل السياسي ،وفي حالة الاخلال بهذه الشروط وعجزهم عن التعاطي مع ما تطرحه الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية من تداعيات سلبية وفشلهم في معالجتها ينتفي مبرر وجودهم على راس السلطة ،لما يشكله هذا من اضرار بالغة لحاضر ومستقبل العمل السياسي والعجز في الاستجابة لاستحقاقات الناس وبما ييسر واقع حياتهم ويعطيهم الفرص للتفكير بالبناء والتنمية وتحمل مسؤولية التعامل مع احتياجات المرحلة وتحدياتها وصياغة سبل تطوير البلاد ووضعها على خارطة الدول الناهضة والانتقال بالمجتمع الى درجات اعلى من التطور والتقدم . 



 لقد بدأ مؤخرا الخط البياني لعلاقات القوى السياسية الحاكمة بالانحدار السريع ولم تجدِ كل المحاولات التي تصدت لايقافه من النجاح لما بلغته العلاقات البينية من تأزم وتوتر ،وهذا عائد الى ازمة انعدام الثقة بين الحاكمين وعدم اعطاء الشراكة مفهومها الصحيح حيث غدت شعارات عائمة لم تتجذر في ارضية الممارسة الواقعية اريد منها  خداع الناس وتضليلهم ، والتعقيدات والاشكاليات والمآزق التي تلاحق النظام السياسي وفشل قياداته في انهاء ملفها التي بدأت  تتناسل حتى غدت الحياة السياسية منظومة من المآزق ما ان تخرج من واحدة حتى تتلقفها الاخرى الا الدليل على خطل الاسس والقواعد التي قامت عليها العملية السياسية .
الآلية التي اعتمدت في ترجمة النظام السياسي الذي اطلق عليه جزافا الشراكة الوطنية والتوافق لم تتعرض للمراجعة وتشذيب واصلاح مما علق عليها من اخطاء طيلة الزمن المنصرم مع ما جرى للنظام من محاولات لتفريغه من مضامينه وتعريته عن غاياته  ،في حين انه كاي نظام ينبغي مراجعته وتحديد مكامن الخطل في مفاهيمه او تطبيقه ومع  ما تعرض له  من اهتزازات وتصدعات وعدم استقرار و مخاطر حقيقية فان السياسيين ظلوا متشبثين و متمسكين به لانهم المستفيدين من بقائه لما وفره من امتيازات مع ثبوت  انه يسير بالضد من مصالح الشعب وغاياته  ،وقد وجد نظام التوافق البائس ترجمته بنهج المحاصصة الذي اسيئ فهمه ومعاييره وتحول الى استئثار البعض بمنظومة المكاسب والمغانم والمنافع والعمل على زيادة مساحتها على الرغم من الاخلال بالعلاقات القلقة وغير المتوازنة بين القوى الحاكمة والتي تقف وراء ما يعانيه العراق الآن من  حزمة اخفاقات وعثرات في تنفيذ طموحات الشعب في رؤية واقع جديد ينتشله من وهدة معاناته ورسم معالم التغيير الذي يمثل غاية طموحاته .
ان الممارسة هي ميزان معرفة حقيقة اي نظام سياسي اذا ما كان يتسق وحاجات الناس ويقترب من تحقيق طموحاتهم وغاياتهم ،او اداة لكسب شرائح او احزاب او طوائف لغاياتها واهدافها على حساب الاخرين وجعله وسيلة لامتلاك السلطة والتمسك بها وعدم محاولة تصحيح ما رافقها من اخطاء في الفكر او الممارسة ،ولم تتعرض مفاهيم الديمقراطية الى المسخ والتشويه كما تعرضت اليه في العراق اذ تحولت الى نهج لتهميش واقصاء الاخرين واستحواذ طائفة او اجزاء منها على مقاليد الحكم وممارسته دون التشاور مع الشركاء في العملية السياسية اواقرار حقوقهم ،وغدت الديمقراطية مبدأ للتسلط والاستحواذ دون النظر لمصالح الشعب العليا او مستقبل البلاد ،وتم ابعاد احد اهم معاييرها وقيمها هو احترام الرأي الآخر وعدم تحويل السلطة الى ضيعة لحصد المكاسب والامتيازات للانصار والاتباع من  دون النظر الى مدى قدراتهم الفكرية والعلمية والادارية ودرجة استحقاقهم لها.
ان الوضع الراهن في العراق وما يتعرض له من انتهاكات قد يهدد وحدة البلاد وشعبها ما يتطلب اقصى درجات الحكمة والدراية من لدن القوى المنخرطة في العملية السياسية في طريقة التعامل مع الازمات والمشكلات والتعرف على سبل معالجتها ومنع انزلاقها نحو الهاوية يصعب انتشالها منها بسهولة دون خسائر جسيمة ،وان سياسة التراشق وكيل الاتهامات المتبادلة بين اركان الحكم وادعاء كل منهم  ان الاخرين يعملوا باجندات خارجية محاولة خائبة لتشويه   كل منهم  لصور الاخرين والاساءة الى سمعتهم لغاية  اسقاطهم سياسيا ،وتأزيم العلاقات حد القطيعة سياسة قاصرة وبائسة لا تخدم القائمين عليها لانها تعمق الفجوة بين اركان الحكم وما يمثلوه او ادعاء تمثيله من قوى اجتماعية وتنسف كل امكانات ترميم جسور التواصل بينهم من جديد ،اذ ان العلاقات السياسية بين الاطراف الحاكمة يتعذر ان تسير بخطوط مستقيمة وخالية من المطبات والعراقيل والتعرجات ،والسياسي الناجح هو من يستطيع تذليلها وازالتها عن طريق اللقاء والتواصل وليس بسياسة تهويل وتضخيم الاخطاء بعد الاختلافات بين الخصوم السياسيين والسكوت عليها ان وجدت حقا حين كانت روابط العمل المشترك قائمة ،لان هذه الادعاءات تفقد شرعية وصدقية المدعين بها ورفض الناس لها .  لقد وصلت العلاقات بين قادة القوى السياسية التي احتكمت الى نظام المحاصصة في علاقاتها حدا لم يعد التعايش بينها ممكنا ،ما يستدعي فك الشراكة القائمة على اساسه واعادة بنائها على قواعد ودعائم جديدة تستطيع تحمل اعباء  قيادة البلاد بهدوء وسلام  وأمن دون مشاكسات وتشنجات والعمل بشرعية نظام خال من الامراض والاختلالات البنيوية التي تعمل على افشاله وتجريدة من مضامينه.
ان محاولات الحكومة الامتناع عن تلبية المطالب الجماهيرية التي تقر شرعيتها وممارسة سياسة التهديدات والاعتقالات سيعطي المبررات والدعم للدعوات المتطرفة المنادية بتقسيم العراق وتمزيقه ، وحتى القوى الوطنية الرافضة لمبدأ التقسيم ستجد نفسها عاجزة عن الدفاع عن تبرير ابقاء الحالة الراهنة دون تغيير وستتآكل وتتداعى قواها وقواعدها ويعد هذا اسهاما من الحكومة لقوى التطرف بالانتصار لخذلانها القوى المعتدلة وتجريدها من اسلحة دفاعها  التمسك بوحدة البلاد وتماسكها .
ان العراق بلد كل العراقيين وينبغي ان يتمتعوا بالعدالة والمساواة جميعا دون تمايز ولا يحق لطرف حاكم ان يستأثر بالسلطة ويمارس سياسة توزيع الحسنات والمكارم على وفق رؤاه ،ويتعين ان يكون القانون سيد الموقف وهو الفيصل في ادانة هذا او تبرئة ذلك ،اما سياسة تكميم الافواه والعصى الغليظة والاتهامات الجاهزة فانها سياسة خاطئة حان وقت مغادرتها لانها السيف الذي سوف يقطع البلاد الى دويلات متقاتلة ومتصارعة ويعطي الكلمة الاخيرة للدول الاقليمية في تقرير طبيعة الحكم فيها وحدودها ورسم شكلها النهائي وسيكون العراقيون وقود لنيران يقرر اضرامها و درجة اوارها ومساحتها وزمن اشتعالها واطفائها  دول الجوار الاقليمي  . لم يعد امام السياسيين الذين يدعون الدفاع عن مصالح العراق وامنه واستقراره الا مراجعة سياساتهم ومواقفهم التي ثبت فشلها في انتشال العراق من تحت اكوام مشكلاته وازماته الموروثة من النظام السابق والمستجدة لما بعيد التغيير، وهجر سياسة القطيعة والتنافر والخصام واعادة بناء جسور اللقاء والتحاور بينهم ،والاحتكام الى مصلحة البلاد وشعبها في نقاشاتهم وجدالاتهم البناءة والمخلصة المبرأة من المصالح والاغراض الذاتية والحزبية والفئوية ، ومغادرة سياسة الاستعلاء والتفرد وبعث الحياة من جديد بعلاقات اصيبت بالجفاف واليباس وغدت قابلة للكسر والتهشم حين حدوث اي ازمة طارئة والنظر للعراقيين جميعا بمنظار واحدة من  دون مواقف مسبقة ورؤى قاصرة ثبت بالممارسة فشلها وخلقت من الازمات والمشكلات ما عجزوا عن تداركها او ادارتها وابطال تأثيرها ،والعودة الى روح الدستور والقانون واعتبارهما اساس الحكم بالتعامل مع العراقيين دون تمييز او مفاضلة ،وليثق جميع اقطاب الحكم الذين يقودوا العملية السياسية وتحمل مسؤولياتها دون تحقيق هذه الرؤية فان الاعصار قادم ولن يستطيع  من يتصدى له او مواجهته.
 ان سياسة التوترات والتشنجات بين اركان العملية السياسية وفشلهم في تقاسم مسؤولية ادارة الحكم تمهد الاجواء لعبث القوى التي تروم استغلال الاجواء المضطربة والقلقة والمحتقنة لزيادة تازيم الوضع السياسي وتفجير العلاقات الاجتماعية لتعميم الفوضى والاضطراب واحداث تهتك عميق وواسع في النسيج الاجتماعي ،لانه من دون احداث المواجهات والنزاعات بين مكونات الشعب يتعذر عليها تمرير مخططاتها وترجمة برامجها التخريبية .
والسؤال المطروح في ضوء معطيات الواقع الحالي ،هل قادتنا السياسيين الذين يتولوا مسؤولية الحكم جديرين بما اوكل اليهم من مهام وهل هم بمستوى المسؤولية التي انيطت بهم ؟

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار سياسية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في سياسية:
الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها