سياسية: متى يزرع الأمن والاستقرار في ربوع العراق؟

 
 


أحمد العاني
لا ينبغي استمرارية الاوضاع الراهنة من دون عمل مؤثر وفعال ينتشل البلاد مما تتعرض له ويهددها ،اذ ان سياسة الصراعات والمواجهات والاتهامات والتهديدات ليست هي السياسة المثلى لقيادة بلاد تحدق بها الاخطار من كل حدب و صوب،وحتى الاشارة اليها وتشخيصها والتحذير منها لا يكفي لوحده مالم يقود  الى الغاء وتعطيل تأثيرها  على ان يصاحب هذا  ويوازيه عمل مخلص ونزيه يتعاطى مع اسباب ظهورها بتفعيل قدرات التصدي لها بحرث ارضية الواقع الذي انبتها واستئصال جذور مبررات ودواعي بذر بذورها ومناخ نموها ، والتحوط الى عدم اعادة انباتها من جديد .



  ان ما يجري على الساحة السياسية ذات ارهاصات بالغة الخطورة اذ كل السياسيين الذين يحتلوا قيادة المشهد السياسي استسلموا الى لغة الاجتهاد والتحذير في تحديد اتجاهات مصادر المخاطر دون العمل الفعلي لتداركها  واقصاء فعاليتها ومخاطرها على البلاد والتصدي الحازم والجاد للعوامل المشجعة والمحفزة على صناعتها واحتوائها والغائها.
مع اليقين التام بتعذر امتلاك اي حزب او كتلة او طائفة قدرة النهوض ومواجهة ما يتعرض له العراق لوحده ،لكن مع هذا لم تظهر اي مبادأة لشركاء العملية السياسية للتحاور والتباحث في رسم المخططات والبرامج الكفيلة بمحاصرة بؤر التوتر والازمات وما يتبعها من اخطار والتعامل معها بالوسائل الكفيلة باجهاضها وازالة آثارها المحتملة والتحرك الاستباقي لاستيعاب العوامل المحركة والمحرضة لنشوئها.  كان يمكن ان يكون التغيير السياسي في التاسع من نيسان نقطة تحول جوهرية في واقع البلاد ،على الرغم مما اقترف بحقها من جرائم ونالها من خسائر بشرية ومادية وما اصابها من دمار شبه تام ،ويكون التغيير منطلقا للبدء باعادة بناء العراق وتعويض ما اهدرته سنوات الحرب والحصار وما استنزفته من قدراته وخسرته من فرص التقدم والتطور والتنمية على كافة الصعد،والانطلاق تاليا لتجاوز الماضي والتوجه صوب العمل الاكثر عمقا و سعة يستعيد فيه العراق  اسس وقواعد  توازنه ووضعه على اعتاب مرحلة تتسم بالحرية والديمقراطية وحقوق الانسان واعادة  الزخم لعجلة العراق للدوران نحو افاق من النمو الاقتصادي والعمراني والتاسيس لغد افضل.
ان الذي حدث وافقد التغيير معالمه ومكانته هو انحراف النظام السياسي البديل ومساره بالاتجاه المعاكس والمخالف لحاجات المرحلة وسقوطه في احضان الفوضى والاضطراب السياسي و الامني وتحوله الى ولادة للازمات والمشكلات ذات التأثير السلبي الفاضح على اوضاع البلاد في مختلف الاتجاهات بعد ان تبنى نظام المحاصصة الطائفية والاثنية والعرقية الذي ترك بصماته على واقع البلاد وشعبها وعمق ونمى الطائفية السياسية ومصادرة  طموح الشعب في صناعة افق جديد يرسم عليه معالم طريق حديث يتخذه هاديا لتحقيق اهدافه وتلبية احتياجاته التي غيبت دون ارادته في  ارساء دعائم دولة مدنية ديمقراطية تقوم على مبدأ المواطنة والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ،تحتكم الى القانون والمؤسسات الديمقراطية بعد ان خاض النظام السابق في مستنقع الحروب غير المبررة ومارس سياسة هوجاء استعدت المجتمع الدولي والعربي عليه ومارس سياسة ظلامية استبدادية سلبت الشعب حقوقه وحرياته ، ودخول النظام الجديد لما بعيد التغيير نفق الازمات والمشكلات الدائمة. وللفشل الذي طال العراق بكل مجالاته بعد اسقاط النظام السابق اضحى لا مناص من ان تقدم الحقائق الى الشعب ويماط اللثام عما يدور بعيدا عن ناظريه وبغيابه وتبيان ما سوف يعود عليه من مآسٍ وآلام ومتاعب ونكبات اكثر مما مرت به مالم يصحو مما حقن به من مورفين الطائفية السياسية وما استولد عنها وبموازاتها من دعوات و عمليات تقسيمه  الى طوائف ومكونات وشحن الاجواء بعوامل الصدام والمواجهة والاقتتال بينها بما يشل عوامل الاستقرار والامن قاعدة البناء والتنمية ،  و يبادر ويعيد صياغة الواقع السياسي من جديد على وفق رؤاه وتصوراته ومصالحه.
 اذا ما كانت القوى السياسية التي تقود العملية السياسية تمتنع عن طرح تاثير الطائفية السياسية ونهج المحاصصة على مستقبل العمل الوطني وعمليات البناء والتنمية و تحديد سبل الحد من مخاطرهما  لما تتسببا به من فرقة وتباعد بين ابناء الشعب الواحد،فان هذا عائد الى تعارض مصالح ومستقبل معظم السياسيين مع الغاء الطائفية السياسية ونظام المحاصصة اللذان كانا السلم الذي اعتمدوه لتسلق ما يطمحوا  اليه من مواقع في النظام السياسي وما يستجلباه من وجاهة وامتيازات لهم من دون استحقاق او مقدرة  تؤهلهم لها،وقطعا عدم  اقصاء الدعوات الطائفية السياسية ونظام المحاصصة من الحياة السياسية والاجتماعية  يضيف اعباء اضافية على القوى المتصدرة لالغاء تأثيرهما على واقع الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية ويضعف مقدرتها على الفعل المؤثر في الواقع ويستنزف الكثير من الوقت .
 على الرغم من احساس الشعب بما يحيط به ويتهدده من مخاطر وانه المعني بما يحدث على الساحتين السياسية والامنية وهو من يدفع فاتورتهما من امنه وحياته واوضاعه المعيشية ومستقبله ووحدة وطنه ،لكنه عاجز عن الفعل في تغيير الواقع او اصلاحه لما يقاسيه من انقسامات وخلافات بعد ان زرع بعض اقطاب الحكم الكراهية والضغينة  والحقد في نفوس  البسطاء منه ممن لم تتجذر في اعماقهم ثقافة و قدرات تحليل معطيات الوضع الراهن وانعكاساتها المترتبة على حياتهم والدور الذي قام به بعض السياسيين في احداث الشرخ العميق في صفوف الشعب والدواعي لذلك. ان مغادرة الشعب لسياسة الانقياد الاعمى للدعوات المغرضة والمحرضة التي آلت لما يعانيه من انقسامات وتعارضات بين اطيافه ومكوناته وما يستولد عنها من تأثير على مجريات الاحداث ذات المساس بحياته ،ومحاسبة السياسيين الذين خذلوه  وعبثوا بمصيره وساقوه الى دروب وعرة ومجهولة ومحفوفة بالمخاطر لالهائه وابعاد انظاره عما يدور من حوله على الساحة السياسية من افعال واعمال والتي تصب في مجاري مصالح بعضهم  من دون الاهتمام بتأثيراتها السلبية على حياة الشعب ،اصبح امرا لا مناص منه ويستلزم من القوى الحية منه ان تبادر الى توعية من خذله الجهل وانعدام المعرفة والفات نظرهم لما يحيق بهم من مخاطر وينتظرهم من مستقبل يلفه الظلام .
العراق مقبل على انتخابات مجالس المحافظات والتجربة الفائته مع القيادات الحالية التي تقود الآن قد اكدت فشلها ،وليس امام الشعب من خيار الا ازاحتها كي يضع حدا للفشل والانطلاق من جديد لتصحيح مسار العمل الوطني ورفع من يتوسم فيهم قدرة التصدي لمسؤولية مواجهة الطائفية السياسية والدعوات المشبوه الداعية لتشكيل الاقاليم على اسس طائفية او تقسيم العراق ،والاستجابة لاستحقاقات المواطنين في الخدمات والرفاه الاقتصادي.  ان التداعيات الاخيرة المتسارعة المتمثلة في سحب الاتحاد الكردستاني والقائمة العراقية وقائمة الاحرار لوزرائهم من الحكومة واستمرارية الاعتصامات والاحتجاجات في بعض المحافظات قد وضعت البلاد على كف مجهول ،وتشي بكل الاحتمالات و تؤشر لمدى ماوصلته العلاقات بين اركان العملية السياسية من تشنج واشكاليات ودرجة عجز واخفاق اقطاب الحكم في  ادارة خلافاتهم وتعارضاتهم على وفق المصلحة الوطنية العليا ،ما يستوجب الذهاب الى حلول جذرية قد تكون صعبة ومؤلمة وموجعة لمصالح بعض القادة السياسيين ولكن لا بديل عنها لان مصالح البلاد ومستقبلها وامنها اسمى واكبر من الافراد ومصالحهم ان ما يمر به العراق الآن يؤصل ان كل البرامج والمناهج التي اعتمدت لما بعد التغيير قد فشلت في التعامل مع الشعب ومصالحه المشروعة وطوى صفحة الماضي التي عاشها في ظل ظروف شديد القسوة والصعوبة ،ما يتعين ان يكون ما يهيئ من برامج عمل ترتقي لمستوى احتياجاته وطلباته ،وان تستحضر القوى السياسية القابضة على السلطة المصلحة الوطنية حين التفكير في اعادة النظر باسلوب التعاطي مع المرحلة فكرا وممارسة وبرامج التي ينبغي ان تكون جامع لكل رؤى وافكار القوى الوطنية المشاركة في الحكم وخارجه لصناعة حاضر ومستقبل البلاد والعبور بها وشعبها حقول الالغام والوصول الى واحة الامن والاستقرار والسلام .   ما يثير الحيرة والاستغراب برغم ما يتعرض له العراق من اعمال ارهابية وما ينجم عنها من ازهاق لارواح بريئة ومن تدمير مبرمج لمعالم البلاد الحضارية واعاقة اي خطوات جادة لتصحيح الواقع الاقتصادي والاجتماعي وما تبثه من صورة سلبية عن امن البلاد واستقرارها  تطيح بسمعة ومكانة العراق  فان هذا لا يثير في السياسيين دوافع الشروع بضبط السجالات والنزاعات التي تقود علاقاتهم و احتوائها وابطال تاثيرها على المشهد السياسي بالجلوس الى طاولة حوار حقيقي لغاية معالجتها و انهائها وغلق كل الملفات الشائكة التي تقف وراء حالات التشنج والتوتر وما يستولد عنها من غيوم تلف الاجواء السياسية والاجتماعية والامنية والتي يتسلل من خلالها الارهاب والجريمة  لنشر الرعب والخوف والفوضى في المجالات كافة في محاولة  احداث الوقيعة بين مكونات وطوائف الشعب ودفعها للاقتتال والاحتراب او للانكفاء على ذاتها تجتر همومها ومعاناتها من دون افق يؤشر لها طريق الخلاص ونهايته.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار سياسية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في سياسية:
الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها