تحقيقات: الذهب حين يتحول الى نحاس .. قائمة من (المغشوشات) يتصدرها الذهب

 
 


مؤيد عبد الوهاب
حينما كنت واقفا في احدى الدوائر الحكومية اصغيت بفضولي الصحفي الى حديث موظفتين كانتا تناقشان (موديلات) من المصوغات الذهبية اشترتهما احداهما بفروقات راتبها الشهري.. ثم ما كان من الاخرى الا انها قالت لزميلتها انها سوف تستبدل مصوغاتها القديمة بهذه (الموديلات) الحديثة.. ولم يكن لديهما اي شك فيما تفعلان فأبتسمت من سذاجتهما فأنا منذ اسابيع ابحث في موضوعة الغش فيه وكيف تنهب مدخرات الشعب العراقي وخصوصا النساء منها وتستبدل (بمعادن) لا قيمة لها غير الطلاء الذهبي.



بداية البحث
بتقنية صناعية لا نعرف اسرارها تجذب النساء العراقيات لم يكن من السهل ان استوعب ما حدثني عنه شخص يهتم بالمجوهرات ويتاجر بها.. حين قال لي (الذهب في العراق كله مغشوش بالنحاس)!! فقلت له مستفهما منه القضية (اي ذهب.. كل شيء مغشوش في العراق!!) فاجابني بعصبية ( لا.. لا.. الذهب كله مضروب في العراق الان وقد هربت القيمة الفعلية للمعدن الثمين من العراق.. وما يكتنزه العراقيون الان.. عبارة فتات الذهب والباقي نحاس..)!!
ثم تحداني ان اوسم ذهب عائلتي في قسم وسم الذهب بجهاز التقييس والسيطرة النوعية.. فبقيت صامتا مذهولا مما يقول.. وغادرت ذلك المكان وانا اتساءل.. (ماذا يعني بقوله (القيمة الفعلية للمعدن الثمين!؟) فبدأ بحثي المضني بهذه القضية).

نساء.. ومجوهرات
من البديهي في معظم العالم العربي ان تهتم النساء باقتناء المجوهرات عموما والذهب خصوصا باشكالها وموديلاتها الجذابة والجميلة.. والعادات والتقاليد تفرض على من يتقدم لخطبة فتاة ان يشتري لها (المهر) ومن ضمنه كمية من المصوغات الذهبية وما يطلق عليه في العراق (النيشان) .. لكن ماذا يحدث حين تكتشف المرأة ان نيشانها عبارة عن نحاس مطلي فقط بماء الذهب!!..
السيدة كريمة حميد (ام براق) (اشتريت قبل عامين حين استلمت فروقات راتبي (ستة اساور) عيار (21) وكان شكلها جميلاً جدا و(موديلها) حديث.. لكنني الان اكتشفت كم انا كنت ضحية للغش.. فقد اخبروني الصاغة بالكاظمية انهما من عيار (14) ثم اخبروني الم تلاحظي تغير لونهن وعدت الى ذلك الصائغ فلم اجده.. لقد رحل واقفل (متجره).. انهم يسرقون وينهبون مدخراتنا ويزيفون زينتنا).

ماذا يقول الصاغة
لم يشأ ان يذكر اسمه في هذا الحديث لكنه بدا معنا بتعاون جاد بعد ان اخبرناه ان الذهب الذي يدخل الى العراق لايمكن الوثوق به.. لانه غير مفحوص بشكل دقيق من قسم الوسم بالمؤسسة.. فقال ( نحن نتعامل مع مصادر نثق بها ان كان بالمستورد او المحلي فهناك ورش وتجار لا نثق بهم ونحن غير مجبرين للتعامل معهم .. فالغش شمل كل شيء في حياتنا)..
وقلنا له (لقد حللنا وفحصنا ذهباً ولم يكن فيه النسبة المطلوبة لعيار (21) المتعارف عليه؟
فاجاب ( لايمكن ان تكون النسبة المطلوبة في المصوغات المستوردة والمحلية مالم يفحص من قبل قسم الوسم في المؤسسة.. لكننا نعتمد على (الحك والبرد) في فحصنا لما نشتريه وما نبيعه)!!.
فقلنا له ( انها طريقة يمكن ان تقعوا فيها ضحية للغش ايضا بالاضافة الى الزبون.. فممكن ان يتم طلاء المستورد بسمك ذهبي ويغش بالنحاس من الداخل؟ فقال ( نحن حريصون على شراء المصوغات من مصادر نثق بها كثيرا فالزبون او الزبونة لا تعرف المستورد او صاحب الورشة بل تعرفنا نحن.. فنحن من يحرر وصل المصوغة ويبيعها.. سابقا هناك ايضا بعض الصاغة يغشون لكن بطريقة بدائية.. فهم يقطعون (الوسم ابو الثور) من (الزنجيل عيار 21) ويضعونها على (زنجيل عيار 18) ويبيعونه على انه عيار (21) بدلالة الوسم الحكومي الذي قطعه من (الزنجيل) الحقيقي.. والان القضية فيها غش كبير لكون لا يوجد فحص.. ونحن كصاغة نتمنى ان يفحص كل الذهب (المستورد والمحلي) حتى نطمئن في عملنا.. فلو تفتح شعبة من جهاز التقييس في الكاظمية للفحص والوسم ونحن نتحمل ايجار مكانها ونوفر لها كل شيء حتى نجبر المستوردين واصحاب الورش على الفحص فيها ووسم المصوغات بالوسم الحكومي.. لا نريد ان نبيع عيار (21) للزبون وهو في الاصل مقارب لعيار (19.5) او (19) او اقل)..
وسألناه .. هل الاماراتي والاوربي مختوم وموسوم من المنشأ ومكان التصنيع وفيه دلالة على انه ذهب (21) فقال.. (هناك البعض ذهبوا الى الهند وباكستان والبرازيل وغيرها واتفقوا مع الورش والمعامل هنا على ان يتم وسم المصوغات بعيار (21) وهي اصلا كلها نحاس.. انا لا انكر ان الغش كبير وواسع في اسواق الذهب بالعراق عموما..).
وهنا قلنا له (ما سيحدث لكم في المستقبل كارثة حقيقية فذهبكم يهرب الى الخارج عن طريق اربيل ويدخل بدله ما يسمى بذهب.. بعد عام او اكثر ستجدون انفسكم تبيعون النحاس بدلا من الذهب؟).
وهنا ظل في حيرة من امره واستغرق في تفكير عميق ثم قال مستفهما ( انها فعلا كارثة.. اذا اصبحت (جاماتنا) التي نفتخر بها هي عبارة عن نحاس.. ربما الحل الوحيد هو ان تأتي المؤسسة الحكومية بالكاظمية لكي تفحص الذهب قبل ان نشتريه ونبيعه الى الزبون.. لكنني اعرف ان نسبة ما يباع في العراق من مصوغات هي 99% ليست عيار (21) كما يقولون عنها.. ان الذهب يدخل للعراق من كل دول العالم.. ولا اعتقد ان الذهب يقل في العراق.. بل بتزايد مستمر !!.. ولا اهتم ان افقد بعض ذهبي بنسبة نصف كيلو او اكثر .. هذا هو الواقع ثم المواطن ايضا يبيعه على اساس عيار (21) ونشتريه منه.. ما بني على خطأ يسير على خطأ !! لكن ماذا نفعل.. هذا هو الواقع نبيع الذهب بنسب غير مضبوطة ونشتريه ايضا بنسب غير مضبوطة.. لقد طالبنا المؤسسة بالتدخل وحمايتنا وان يفتحوا لهم فرعاً بالكاظمية .. فالوضع الامني لايسمح لنا بالذهاب اليهم حاملين مئات الكيلوات من المصوغات الذهبية للفحص..).
وسألناه هل تعرضت للغش.. فقال( ان الذهب العراقي القديم مطلوب جدا في الخارج لان نسبته دقيقة وصافية .. بعكس الذهب في العالم.. ولقد جاءتني موظفة قبل اشهر وعرضت عليّ مصوغاتها ففحصتها عن طريق (الحك والبرد) واشتريتها منها على انها ذهب عيار (21) لكن بعد ايام قمت بتقطيع المصوغات فأكتشفت انها نحاس مطلي بطبقة سميكة من الذهب.. وكانت كمية المصوغات كبيرة.. نعم نحن انفسنا نتعرض للغش فما بالك بالزبون الذي يشتري من صاغة لا يعرفهم والذين انتشروا في جميع احياء بغداد الشعبية وغيرها وحتى المحافظات.. انك تشير الى ان الذهب العراقي كثروة وطنية يهرب الى الخارج ويدخل بدله مكسرات ربما ليس فيها غير طلاء سميك من الذهب وداخلها نحاس فقط. لكن ماذا نفعل.. هذا حالنا.. وحال كل الاسواق.

 رأي قانوني
يقول الخبير القانوني طارق حرب (ان الذي يغش في الذهب يحاسب بالسجن والغرامة ومصادرة كل ما يملك من ذهب حسب الفقرة القانونية الخاصة بالمعادن الثمينة بالقانون العراقي الساري المفعول لحد الان).

قسم وسم المصوغات
كان تواجدنا في قسم وسم المصوغات لاستفهام ماذا يعني الوسم فيه وكيف تتم العملية سابقا ولماذا لا يتم الوسم حاليا.. حيث التقينا بمديرة القسم ساهرة جاسم محمد (رئيس كيمياويين اقدم).. ( نحن كقسم وسم المصوغات لايزال عملنا مستمراً ويمارس اعماله الاعتيادية لكن المشكلة التي تحدث الان.. ان الصاغة لا ياتون بمصوغاتهم الى القسم بعذر ان الوضع الامني لا يسمح!!.. وعموما ان عملية وسم المصوغات هي عملية مركزية فقط ببغداد.. واصحاب الورش معظمهم في شارع النهر او مناطق اخرى بعيدة عن موقع قسم الوسم بالجادرية وكلا الجانبين يخشى حمل المصوغات لاغراض الوسم.. لكن من خلال التفتيش التي تخرج الى المحال يتم تبليغهم ( ان عدم الوسم في جهاز التقييس والسيطرة النوعية هي مخالفة قانونية تحاسبون عليها قضائيا).

 لا يوجد فحص للمستورد
اما الحسني فقد قال (كل ذهب او مصوغة داخل العراق لا يوجد فيها وسم المؤسسة.. فهو غير موثوق بها.. وحاليا كل ذهب مستورد داخل للعراق لم يفحص في قسمنا والمفترض ان اي تاجر يدخل ذهباً الى العراق يجب ان يوسمه في جهاز التقييس (قسم الوسم) وما يحدث الان الذهب من المطار الى الاسواق المحلية.. فيمكن ان يحدث فيه تلاعب.. اما ان نعطي تأكيداً بأنه مطابق للنسب المقررة للعيار فيه.. هذا لا نستطيع تأكيده للمواطن.. اما الكيمياوية (خولة) حين قالت انه موثوق به.. فهي على ما فحصت نماذج منه.. لكن هذه النماذج لا تدلل على ان الكميات الهائلة من الذهب المستورد موثوق به.. لكن ما يقطع اي دابر للشك هو حين تطبق الكمارك تعليمات قرار مجلس الوزراء بان يأتي للجهاز لاغراض الفحص والوسم.. ونص القرار يقول ما يدخل العراق.. ويشمل هذا اقليم كردستان .. فحين يدخل الى اربيل ثم يدخل الى محافظات العراق الاخرى.. هل تنتفي منه صفة (المستورد) .. يبقى مستورداً ومتى ما يتم  وسمه بالوسم العراقي. تعطى له الشرعية القانونية بالتداول داخل الاسواق المحلية.. وفيه يثق المواطن بأن يشتريه ويكتنزه ولقد فاتحنا كل الجهات المعنية بتطبيق هذا القرار لكن تفسيراتهم تختلف عن تفسيراتنا.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار العمالية
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في العمالية:
الذهب حين يتحول الى نحاس .. قائمة من (المغشوشات) يتصدرها الذهب