وثائق: شخصيات عراقية قومية ..من يتذكرها ؟

 
 


اكرم علي حسين
شخصيات سياسية قومية وفكرية بارزة اضطرت وبسبب تعرضها للسجن والاعتقال والتعذيب وفيما بعد الملاحقة والمراقبة الى مغادرة ارض الوطن والعيش في المنفى للخلاص من ارهاب الدولة الذي كان يمارسه النظام السابق ضد المعارضين من كل التيارات والقوى السياسية المناهضة للحكم الاستبدادي القمعي ..



لقد شهدت حقبة الستينيات من القرن الماضي بزوغ جيل جديد من الشباب القومي المؤمن بالنضال المشترك على طريق تحقيق حلم الوحدة العربية وتحرير كامل التراب العربي من براثن القوى الاستعمارية الطامعة والقضاء على الاحتلال الصهيوني لارض فلسطين .. هذه القوى القومية الشبابية وذلك بالامر المهم الذي لابد من التوقف عنده لم تكن تنادي بالاستئثار بالسلطة او الغاء دور القوى الوطنية الاخرى التي يجمعها واياها هدف مشترك يتمثل في محاربة الرجعية العربية والقوى الامبريالية الداعمة لها وانطلاقا من هذا الادراك للمسؤولية الوطنية والقومية فقد سعت الى تعزيز الصلات مع مختلف التيارات ذات الاتجاه القومي والوطني والتقدمي .. وعلى هذا الطريق اقامت القوى القومية افضل العلاقات مع الشخصيات الفاعلة والمؤثرة في الحركة الكردية التي كانت ترفع شعارا وطنيا خالصا عنوانه المطالبة بالحقوق القومية للكرد وتحقيق الديمقراطية في العراق بلد وموطن الجميع ..اعود الى صلب الموضوع فاقول ان ما حملني على اختيار العنوان الرئيسي هو قراءتي المتأخرة لمذكرات الضابط القومي والوزير السابق العميد الركن عبد الكريم فرحان احد اعضاء الهيئة العليا للضباط الاحرار التي خططت لثورة 14تموز 1958..المذكرات تحمل عنوان (حصاد ثورة) وفيها يسرد جوانب كثيرة ومهمة من الاحداث العاصفة التي مرت بالعراق بعد ثورة تموز وحفلت بسيل من المآسي والكوارث السياسية والانسانية بسبب انهيار العلاقات بين القوى الفاعلة على الساحة العراقية والتي بلغت الصراع الدموي واستفحال روح العداء والكراهية والانتقام المرعب بين التيارات السياسية التي كان يفترض انها اقرب الى بعضها لانها كانت يوما ما منتمية الى (جبهة الاتحاد الوطني) قبل ثورة تموز .. لقد نزع عبد الكريم فرحان بدلته العسكرية نهائيا اثر الاطاحة بحكم البعث الاول في 18تشرين الثاني 1963 ودخل الحكومة الجديدة برئاسة طاهر يحيى وزيرا للثقافة والارشاد القومي ومن ثم استقال من الوزارة في صيف 1965 لخلافه مع الرئيس عبد السلام عارف واحتجاجه على تدخل مؤسسة الرئاسة في المؤسسات الاعلامية ، بعد سنتين تبوأ مرة اخرى المنصب الحكومي الرفيع من خلال استيزاره وزيرا للاصلاح الزراعي ثم ترك الوزارة مستقيلا ايضا قبل ايام من انقلاب 17 تموز 1968..وباعتباره ضابطا كبيرا وشخصية سياسية قومية شارك بدور قيادي في الاطاحة بسلطة 8شباط  لذلك فقد انتقم منه جلاوزة النظام الانقلابي شر انتقام ودفعوا به الى دهاليز قصر النهاية الرهيب .. ويروي عبد الكريم فرحان تفاصيل مرعبة تقشعر منها الابدان لما كان يجري في زنازين القصر المخيف واساليب التعذيب الوحشية والاذلال والمهانة التي كان يتعرض لها شخصيات قومية ومفكرون بارزون من عسكريين ومدنين على ايدي مجموعات تتميز بالسادية وتتجرد من كل المشاعر الانسانية لتتحول الى وحوش ضارية لا تتوقف عن القتل والاذى والاساءة بهدف تركيع رموز كبيرة لها دورها المؤثر في بناء العراق الحديث . لقد طالت آلة التعذيب الجهنمية اسماء مثل احمد الحبوبي وعارف عبد الرزاق وعبد الرحمن البزاز وخير الدين حسيب وعبد الكريم هاني وعبد العزيز العقيلي .. وتمت تصفية المناضل القومي الشهيد فؤاد الركابي داخل زنزانته ، اما الامين العام للحركة الاشتراكية العربية عبد الاله النصراوي فقد كان على رأس قائمة المطلوبين من جانب انقلابيي 17تموز حيث جرى اعتقاله يوم 18 تموز اي بعد 24 ساعة على الانقلاب ليلقى نفس ما لاقاه المعتقلون الاخرون . كما ضمت قائمة المعتقلين اسماء سلام احمد ونهاد فخري وعبد الستار عبد الحسين ومالك دوهان الحسن وشاكر محمود شكري وشامل السامرائي وكثيرين غيرهم .. ان ما كتبه عبد الكريم فرحان عن سنوات الهوان في ظل الحكم الدكتاتوري القمعي هو وثيقة ادانة دامغة لما ارتكبه ذلك النظام من جرائم تندى لها جبين الانسانية وستبقى وصمة عار تلاحق القتلة والمجرمين الذين تلطخت اياديهم بدماء شهداء العراق الابرار .. مذكرات عبد الكريم فرحان تعيد الى الاذهان سيرة الكثير من الشخصيات القومية التي ما تزال على قيد الحياة في ديار الغربة التي اختارتها منفا قسريا للخلاص من البطش والارهاب والمطاردة والتصفية الجسدية ..انهم رجال غادروا ارض الوطن مكرهين بانتظار ساعة الخلاص وانتهاء عهد الديكتاتورية والتسلط والعدوان والحروب المدمرة على امل العودة لتمضية سنوات العمر الاخيرة في حياض الوطن وبين الاهل والاحبة والاصدقاء . من يتذكر احمد الحبوبي وسلام احمد وعبد الكريم هاني ومحل الدليمي وعبد الحسن زلزلة ؟.. حتى الشهيد فؤاد الركابي الذي دعا الرئيس جلال طالباني شخصيا قبل سنوات الى تكريم ذكراه من خلال اطلاق اسمه على احدى الساحات او الشوارع الرئيسية في بغداد لم يتحقق من الامر شيء وتعمدت الجهات الرسمية المعنية تجاهل ذلك ربما لانها لاتعترف بمناضل قومي صلب دفع حياته ثمنا لنزاهته السياسية وتاريخه الشخصي المشرف ..ومن اجل ان تنال الشخصيات القومية والوطنية في ديار الغربة التقدير والتكريم اللائقين لا بد من دعوتهم للعودة الى الوطن في سبيل تكريس مبدأ الاعتراف بتضحيات ووقفات الرجال الافذاذ الذين تصدوا لجبروت وطغيان الحكام المستبدين وانظمتهم القائمة على القتل والارهاب والاستبداد المطلق . لقد رحل عن عالمنا مؤخراً المناضل القومي محمد الحبوبي من دون ان تكترث الجهات الرسمية لهذا الغياب المحزن ومن دون ان تؤدي واجبها بالمشاركة في استقبال جثمانه القادم من بيروت ، وغابت الدولة العراقية تماماً عن حضور مراسم التشييع والدفن المهيبة التي اجريت في اربيل عاصمة اقليم كردستان العراق بمشاركة قياديين بارزين في حكومة الاقليم والاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار وثائق
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في وثائق:
شيمون بيريز مسح له الحذاء وجولدامائير كرمته جمعة الشوان (حكاية مصري قهرالموساد)