وثائق: لا تضيعوا لغة القرآن.. اللغة العربية مجد أمتنا وحضارتها

 
 


الدكتور نصيف الجبوري
لن نمنح الجنسية الفرنسية لمن لا يحسنها كلمة ترددت وتتردد على لسان الرؤساء الفرنسيون منذ عهد الرئيس شارل ديغول مرورا بالرئيس جورج بومبيدو فجسكار ديستن وفرانسوا ميتران وجاك شيراك حتى فرنسوا هولاند. هذه التعهدات قطعها ويقطعها الرؤساء الفرنسيون على انفسهم امام شعبهم ابان حملاتهم الانتخابية ويلتزمون بها.
ان مثل هذه التعهدات صدرت ايضا على لسان القادة الاميركيون والبريطانيون والأسبان والألمان والايطاليون. ان كل الامم التي تحترم نفسها وتحترم هويتها وثقافة ابنائها تجعل اللغة المعيار الاول والأساسي لاندماج الاجانب مع شعوبها.



تلك الامم المتقدمة كبريطانيا او فرنسا ترصد ميزانيات مالية ضخمة لتشجيع وترغيب الاخرين تعلم لغاتهم بالداخل او الخارج. وهناك الكثير من المراكز الثقافية المنتشرة في انحاء العالم لهذه الدولة او تلك لتعليم اللغة الفرنسية او الانكليزية او الاسبانية. بل ان هناك صراع ثقافي عنيف بين تلك الدول ففرنسا انشأت المجموعة الفرنكوفونية وبريطانيا انشأت مجموعة الكومنولث.  ان هذه الدول حاولت فرض ثقافتها احيانا بالقوة عن طريق تعميم لغاتها على الدول المستعمرة كما حصل في الجزائر عندما فرضت اللغة الفرنسية على شعبها وفرضت بريطانيا اللغة الانكليزية على الهند وهكذا. وغالبا ما استخدمت لنشر تلك اللغات الجيوش المجيشة وحملات التبشير واليوم جاء دور العولمة والتجارة الحرة واقتصاد السوق لتسويق هذه اللغة او تلك جنبا الى جنب تصدير البضائع واعتماد التجارة الحرة.
ان التطور التكنولوجي وتطور العلوم في مجالات الحياة المختلفة اعطى دفعا اضافيا الى تلك الامم لتطوير لغاتها كي تتناغم وتتناسب مع المصطلحات الجديدة في مجالات التطور العلمي والأدبي والتجاري والصناعي. وكل لغة تحاول ان تفرض نفسها في هذا المجال او ذاك حتى اللغة الصينية رغم صعوبتها بدأت تواكب التطورات وتجد لها مكانا بين اللغات العالمية.
هذا هو شأن العالم ودوله فالتطور السريع سمته وكل الافاق مفتوحة له. ليس فقط في جانب الاختراعات العلمية كمجالات الاعمار والفلك والطب والهندسة والفيزياء والكيمياء والزراعة وتطور الاسلحة العسكرية وغزو الفضاء الخارجي انما حدثت وتحدث تطورات عميقة ومتوازية في الجوانب الادبية ايضا منها تطور اللغات واجتهاد ابنائها لمواكبة هذه التغيرات السريعة والعميقة والعنيفة في بعض الاحيان وترجمتها على الواقع لإيجاد مخارج ومصطلحات وحروف وكلمات تعبر بدقة عن هذا المخترع او ذاك المكتشف.
لقد بذل علماء اللغة العرب في فترة الستينيات مجهوداً كبيراً لإدخال مصطلحات جديدة اضافوها الى اللغة العربية كالشاشة المرئية والهاتف وغيرها لكن الجيل الحالي لم يتعب نفسه حتى في الترجمة الحرفية لمصطلحات كثيرة بدأت تغزو العالم بعد ظهور عالم الانترنيت والعولمة والتجارة الحرة.
يذكر جيلنا وما قبله المساحات الواسعة التي كانت تتركها الحكومات العربية انذاك في وسائل الاعلام للحديث عن اللغة العربية سواء في الاذاعة المسموعة او المرئية والبرامج الرائعة التي تصحح لنا بعض المفردات والمفاهيم الخاطئة عند تعاطينا مع هذه اللغة كتابة او قراءة او حديثا.
لقد كنا نفتخر بمجامع اللغة العربية في بغداد ودمشق والقاهرة وكان التنافس البريء والشريف سمتهم لاستنباط هذا المصطلح او تلك العبارة. وفي أحايين كثيرة كان علماء لغتنا يبدعون ويغنون قاموس اللغة العربية بعدة مفردات لشيء واحد اكتشف هنا او هناك. لقد تمكنت تلك المجامع اللغوية من اشتقاق واستحداث الكثير من الكلمات والمصطلحات والعبارات. وتم تعريبها من خلال لغتنا وليس ترجمتها ترجمة حرفية وتمكنت من استنباط اشتقاق لعبارات اجنبية من خلال كلمات او افعال او حروف عربية اصيلة. وتم اضافة الكثير من الكلمات المستحدثة الى القاموس العربي دون اختلال في وزن الكلمة والأخذ بنظر الاعتبار امكانية اعرابها وسهولة نطقها وقد نالت على العموم استحسان الجمهور العربي انذاك.
 لقد تمكن علماءنا الافذاذ في تلك المرحلة من ردم الهوة السحيقة التي كانت تفصل لغتنا عن بقية لغات العالم، وكانت دروس النحو والصرف والإعراب من خلال آيات القران الكريم او الاشعار الدينية والقصائد الغزلية ودواوين النثر والقصص الرصينة جعلتنا ننطق بعربية فصيحة دون لكنة اعجمية سواء بقراءة القران او القصص او الاشعار او ببساطة سلاسة الكلام.
أريد هنا ان ادق ناقوس الخطر لأقول ان لغة الضاد قد اصابها الوهن والضعف لأنها لم تتطور ولم تواكب الاكتشافات العالمية. فلا يغرنا ان اللغة العربية هي لغة القران محفوظة بحفظه فبدون مجهود من قبل الحكومات العربية والإسلامية وشعوبها فأن مصير هذه اللغة العظيمة في تقهقر واضمحلال بمرور الايام والسنين.
أن المجامع اللغوية اليوم قد غابت عن المشهد الاجتماعي والثقافي واللغوي ولم نعد نسمع الكثير من نشاطاتها لأسباب متعددة اهمها. ان الدول العربية بات اهتمامها الاعلامي يتركز على اللهجات المحلية على حساب العربية الفصحى وبالتالي تراجعت اللغة في تلك الدول. كما ان اهتمامات الشعوب العربية هي الاخرى اتجهت حسب نظرية ابن خلدون القائلة بان (المغلوب مولع بتقليد الغالب) وهذا الذي حصل لدى شعوبنا وحكامنا. حيث اضحى همهم الاول والأخير تعلم اللغة الانكليزية او الفرنسية ولم يعد احد يعير اهتماما لهذا المجمع اللغوي او ذاك. ولا يسأل احد عن تعريب هذا المصطلح او ذاك طالما يمكن ترجمته حرفيا بكل سهولة ويسر من اللغة الانكليزية الى العربية. ولا يريد احد ان يبذل جهدا في امر لا يجلب له منفعة انية.
ان غياب او تجميد تلك المجامع اللغوية وقلة كوادرها وضعف ادائها انعكس على سوء نوعية تعريبها للكثير من الكلمات والعبارات والمصطلحات خصوصا العلمية منها. لقد باتت كل دولة تختار لشعبها مصطلحات دون الاخذ بنظر الاعتبار المعايير اللغوية التي ينبغي ان تراعى فيها قواعد النحو والصرف للغة. ان شيوع اللهجات المحلية على حساب الفصحى قد جعل من اللغة العربية الواحدة عدة لغات بل لهجات لا قانون لها كتابة او نحوا او صرفا. فالجزائر مثلا تترجم كلمات او عبارات اللغة الفرنسية الى اللغة العربية بطريقة بدائية والعراق تنازل عن اهتماماته باحتضان اللغة العربية فالمحتل الاميركي خلط الاوراق وغير الاولويات. ومصر في عالم اخر فتخرج من ثورة لتدخل في ثورات متعددة والشعب مستمر في تغيير الانظمة الى ما شاء الله. وسوريا تنتحر فلعبة الامم قضت عربها قبل لغتهم ولا يمكن لأحد ان يتنبأ متى يكون الفرج وكيف السبيل الى المخرج.
تعالوا معي لنرى على ارض الواقع مدى التقصير، بل التسيب في اهمال لغة القران لنبدأ رحلتنا مع دول الخليج العربي كقطر والبحرين والإمارات والكويت  فالمسافر العربي يجد نفسه غريبا في اسواق تلك الدول فقلما يتعاطى التجار والعمال المحليين في معاملاتهم مع الزبائن الحديث باللغة العربية. في تلك الدول كأنك في الضواحي اللندنية حيث الاغلبية الساحقة من الهنود والباكستانيين ولا يتكلمون إلا باللغة الانكليزية او اللغات المحلية لتلك الدول وحتى الجامعات العلمية وقسم من الكليات الادبية والشركات المهمة يتكلمون اللغة الانكليزية حتى يظن المسافر او يتخيل اليه بأنه يعيش ببلدان غير عربية.
أما في العراق والأردن والسعودية فقد تراجع استخدام اللغة العربية الفصحى الى درجات خطيرة وبات السياسيون يفتخرون بالحديث الى وسائل الاعلام باللغة الانكليزية وأضحت اللهجات المحلية تأخذ مساحات واسعة على حساب العربية الفصحى في الاعلام وفي الدوائر الرسمية اضافة الى الشركات الاجنبية التي دخلت حتى الى القرى والأرياف وشركات النفط العالمية التي تتخذ اللغة الإنكليزية كمرجع اساسي في التعاملات الاقتصادية والتبادل التجاري.
اما دول شمال افريقيا كتونس والجزائر والمغرب فقد شهدت مرحلة الاستقلال الوطني تقدما نسبيا في ازدياد الاهتمام باللغة العربية في تلك البلدان. لكن الفترات الاخيرة شهدت تراجعا ملموسا في اهتمام الحكومات والشعوب على حد سواء بالاهتمام بلغة الضاد وبذات المصطلحات الدخيلة على اللغة العربية تأخذ مساحة واسعة على حساب العربية اضافة الى شيوع اللهجات المحلية فضلا على اللغة الفرنسية التي بدأت تعود من جديد الى دوائر الدولة كما هو الحال الان في الجزائر. ففي تلك الدول باتت حتى الترجمة الحرفية لا تعبر عن حقيقة الكلمة المترجمة. فمرة تترجم العبارة الفرنسية بطريقة غير مفهومة ولا تعني شيئا عند قراءتها. ومرة تكتب اللفظة الفرنسية بحروف عربية لا يفهمها إلا من يعرف اللغتين ويقارن بينهما.
انه من المؤكد بأن اللغة العربية مدينة الى القران الكريم فلولاه لاندثرت اللغة العربية منذ وقت بعيد مثلها مثل الكثير من بعض اللغات العالمية التي اندثرت كالآرامية واللاتينية. كما ان اي شعب لا يمكن ان يحترمه الاخر إلا عندما يحترم نفسه التي يعبر عن مكنونها اللسان اي اللغة. فليجرب أي شخص عندما يعبر حدود فرنسا مثلا باتجاه اسبانيا او ايطاليا او المانيا او بريطانيا يلاحظ بأن حراس الحدود لتلك الدول يرفضون الحديث بلغة غير لغتهم الوطنية رغم انهم يحسنون غيرها كاللغة الانكليزية ويصرون الحديث بلغتهم الوطنية مع المسافر حتى لو كان ذلك الشخص لا يفهم شيئا منها.
ألا تستحق لغة الضاد ان ندافع عنها ونحفظها من التزييف والتحريف والتغيير ولحن القول. هذه اللغة التي قدمت للأجيال عبر العصور الفن الاصيل والشعر الجميل والقصص الرائعة وتعلمنا منها الفصاحة والبلاغة وعرفنا هويتنا من خلالها عبر دروس التاريخ والأدب والعلوم الاخرى بمختلف صنوفها. أنها لغة القران كما قال الشاعر لغة القران هذي رفع الله لواها.
متى نعيد للغتنا حيويتها كي تستمر في عطائها لنا وللأجيال القادمة. فما احوجنا اليوم قبل غد ان تسن دولنا العربية قوانين صارمة كبقية دول العالم تفرض فيها على الاجانب الذين يريدون العمل ببلداننا لمدد طويلة ان  يتعلموا اللغة العربية قبل القدوم اليها، لان الانتصار للغتنا انتصار لهوية الامة العربية بل انتصار للإسلام والمسلمين .

 

 
 



 صفحة للطباعة صفحة للطباعة

 أرسل هذا الخبر لصديق أرسل هذا الخبر لصديق

 
 

 
 

· البحث في اخبار وثائق
· البحث في اخبار جميع الصفحات


أكثر خبر قراءة في وثائق:
شيمون بيريز مسح له الحذاء وجولدامائير كرمته جمعة الشوان (حكاية مصري قهرالموساد)